كتبت: دنيا عيسى - النجاح الإخباري -
محاولة الاغتيال التي استهدفت رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمدالله في الثالث عشر من شهر مارس الماضي عبر تفجير موكبه الذي تواجد فيه أيضا رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج لدى توجههما إلى قطاع غزة، سلطت الكثير من الأضواء على الرجل، فلماذا يتم استهدافه هو؟ ومن المستفيد من جريمة كهذه؟ وكيف ستكون انعكاساتها على الساحة الفلسطينية؟ ربما لم تكن الإجابة حاضرة على كل تلك الأسئلة حتى بعد نتائج التحقيقات التي أعلنتها حركة حماس في غزة والتي لم تقدم أي معلومة حول الجهة التي تقف خلف محاولة الاغتيال ولو افترضنا أن أنس أبو خوصة الذي قتله أمن حماس هو من يقف فعلا خلف المحاولة فمن دفعه وما هي الدوافع؟ كلها أسئلة بقيت إجاباتها غائبة وربما لن تحضر في القريب العاجل وسيبقى الباب مفتوحا أمام المزيد من التكهنات والتحليلات.
بعد شهر وبضعة أيام، تتكرر المحاولة لكن هذه المرة بشكل مختلف، محاولة قتل معنوي عبر لصق "فضيحة" أخلاقية برئيس الوزراء، لكن يبدو أن المحاولة لم تُحبك جيدا هذه المرة فخالطتها الكثير من المغالطات والسذاجة، فتلاشى أثرها بعد ساعات من إطلاقها وحتى خصوم رامي الحمدالله الذين كانوا ينتظرون هدية تلحق الضرر به، لم يصدقوا ولم يتفاعلوا مع فضيحة أخلاقية مصطنعة، ليس حبًا بالرجل وإنما لمعرفتهم من يكون ولثقتهم أن الحمدالله لا يمكن أن يتورط بفضيحة من هذا النوع، فانتهت محاولة الاغتيال المعنوي قبل أن تولد.
الاستهداف المتكرر لرئيس الوزراء الفلسطيني بشقيه الجسدي والمعنوي يأتي بعد:
• نحو خمس سنوات على تسلمه منصب رئيس الوزراء، أدار خلاله حكومتين وتسلم مهامه في واحدة من أصعب المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية على جميع الجبهات، الانقسام استمر، الحصار الإسرائيلي تزايد، الدعم الدولي تقريبا انقطع، ومع ذلك الاقتصاد الفلسطيني لم يتراجع، وبيئة الاستثمار باتت أكثر قوة، وانتصارات دبلوماسية لوزارة الخارجية الفلسطينية
• قاعدة شعبية كبيرة تؤيد الحمدالله انطلاقا من الأداء الذي تحقق على مدار السنوات الماضية، حتى أن بعض المحللين السياسيين قال "خجلت مرة أن أقول أنه لو كان رئيس وزراء آخر في هذه الفترة العصيبة لشحد الناس الخبز"، وليس أدل على القاعدة الشعبية تلك من حجم الدعم والتأييد الذي رصدته الكاميرات والأقلام والميادين في أعقاب محاولتي الاغتيال، فبعد تفجير الموكب زحفت الجماهير إلى شوارع المدن وميداينها وفي عنبتا كان التجمع البشري بمثابة استفتاء شعبي على مبايعة الرجل لمواصلة المهمة.
• عربيا ودوليا تعزز حضور القضية الفلسطينية، ووثقت قيادات العالم برامي الحمدالله، ليس لشخصه إنما لقدرته العالية على قيادة حكومة تعاديها أمريكا وإسرائيل ومن أكن لهما الولاء،
• داخليا، ذهب بنوايا صادقة لإنهاء الانقسام وترجم الأقوال إلى الأفعال عندما توجه إلى قطاع غزة أكثر من مرة وربما اغضب البعض عندما نقل المصالحة من ساحة التصريحات الإعلامية إلى ميدان التنفيذ العملي قبل أن تضع حماس العراقيل المتتالية أمام هذا الطريق.
• تاريخيا لم يُسجل لرامي الحمدالله أي فشل، حول جامعة النجاح الوطنية إلى قاعدة علمية وتكنولوجية تزاحم جامعات العالم العريقة في التصنيف العالمي، وتاريخيا أيضا كان الأمين العام للجنة الانتخابات المركزية والتي أشرفت على انتخابات محلية وتشريعية أبهرت العالم بنزاهتها والكثير يقال في سجلات التاريخ.
بالتأكيد ما سبق ليس كل شيء، هو جزء من جهد متواصل، لا مجال لحصره هنا، لكن طرح الأمثلة السابقة ربما يكون تقديما للقول أن هناك بالفعل أطراف أزعجها وصول الحمدالله إلى هذه النقطة من التفوق والتمتع بقاعدة شعبية صنعتها الأفعال دون تخطيط ولا هدف سوى الوطن، وهذه الأطراف قد تكون واحدة من ثلاثة أولها الاحتلال الذي صُدم بصلابة موقف الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمدالله، فشكلا معا سدا منيعا أمام كل المؤامرات والمحاولات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، وثانيهما حركة حماس التي شعرت أن الحمدالله بنواياه الصادقة اتجاه المصالحة يسحب البساط من تحت قدميها بعدما ظنت حماس أن الأمور لن تكون مختلفة عن سابقاتها، وثالثهما طرف فلسطيني انزعج من قوة الحمدالله وأراد الخلاص منه من بوابة ضيقة.
الزمن وحده كفيل بفك الشيفرة ومعرفة تفاصيلها والأحداث القادمة على الحلبة السياسية الفلسطينية ربما يكون لها كلمتها بهذا الاتجاه.