المهندس سميح طبيلة - النجاح الإخباري - شكلت بلدية نابلس منذ تأسيسها في العام 1869م. رافعة نضالية وخدماتية واجتماعية هامة، تخطت في العديد من الأحيان حدود تأثيرها الوطني، ومواقفها الوطنية حدود المدينة وضواحيها، وحدود تقديم الخدمات الأساسية من كهرباء، ومياه وشق طرق، ومنح تراخيص، إلى آفاق تثبيت المواطن على أرضه، وتدعيم مقومات وجوده على أرض آباءه وأجداده، من خلال مواقفها الحكيمة والجماعية والواعية لعمق المؤامرة التي تحاك ضد الوطن، إذ يحق للمواطن النابلسي أن يشعر بالفخر والإعتزاز لدور بلدية نابلس، في دعم وتصليب ثورات شعبنا الفلسطيني ضد الاحتلال البريطاني، ودوره في الحفاظ على عروبة قلقيلية عام 1967م، وانقاذها من براثن المحتلين، حينما قرر المجلس البلدي بوعيه العميق، ونظرته الثاقبة إعادة شبك خطوط المياه والكهرباء فيها، بعد أن دمر الصهاينة 90% من بيوتها، بهدف تهجير أهلها وكذلك دعمها للقدس بل أن الدور الوطني والقومي لبلدية نابلس تعدى حدود فلسطين، إلى آفاق الالتزام بالواجب القومي من خلال تنظيم البلدية لحملات دعم وجمع تبرعات لدعم الثورة الجزائرية.
ساهم النقاش حول مشروع أرض المعارض في مدينة نابلس، في رفد المجلس البلدي بمجموعة غنية من الآراء؛ وشكلت آراء المواطنين، ومقترحاتهم، وتحفظاتهم، وتخوفاتهم، واستفساراتهم، خارطة طريق هامة للمجلس البلدي ومكنت المجلس البلدي من تلمس مواقف المواطنين من القضايا التي تلامس حاجاتهم بشكل مباشر، فكل التحية والتقدير لكل الإعلاميين والمؤسسات والشخصيات التي ساهمت في هذا النقاش الهام والمثري.
من منطلق إيماني كمواطن، ومن مسؤوليتي تجاه أهلي في نابلس كعضوٍ منتخب في المجلس البلدي، وكوزيرٍ في حكومة الوفاق الوطني، والتي تؤمن بالشراكة والشفافية، وضرورة تلمس حاجات ورغبات المواطنين، أن أقدم لأهلي في نابلس موقفي ورؤيتي حول إقامة أرض للمعارض في نابلس.
من الهام للغاية أن يتم التخطيط والسعي الدؤوب لتنفيذ عدد من المشاريع الحيوية في المدينة، بما في ذلك قصر الثقافة، وصالة الألعاب الداخلية وملاعب مفتوحة للأطفال والأندية الرياضية، وأرض المعارض، وتوسيع نطاق المساحات الخضراء بها بصورة ملحة، وبالتالي فإن تأسيس أرض المعارض من حيث المبدأ هو مشروع هام وحيوي، وعليه؛ عند اختيار الموقع والمساحة المطلوبة لتنفيذ المشروع يجب الالتفات إلى مايلي:
1- دراسة الاحتياج والمساحة وعناصر المشروع سواء على مستوى نابلس أو المحافظة أو الوطن وهذا الأمر مهم وضروري في اختيار الموقع، (فهل نحن بحاجة إلى أرض معارض لتغطية حاجة المدينة أم المحافظة أم الوطن؟).
2- تحديد الجهة المباشرة (القائد) المسؤولة عن إقامة هذا المشروع، وهي في تقديري الغرفة التجارية الصناعية وبالتعاون مع الحكومة ومؤسسات المدينة، وخاصة بلدية نابلس التي من واجبها تقديم جميع التسهيلات والمساعدات الممكنة لدفع إخراج هذا المشروع الهام إلى حيز الوجود وفي موقع مناسب وبما لا يشكل إرهاقاً على الحياة الطبيعة للسكان أو التعدي على مرافق حيوية تخدم الغالبية من المواطنين أو إهدار المال العام.
3- عمل دراسة جدوى اقتصادية للمشروع قبل إقراره وعمل مسح للقاعات والمساحات المتوفرة في المدينة، سواء في جامعة النجاح، أو مبنى الغرف التجارية الجديد، أو ملتقى رجال الأعمال بمبناه الجديد، والمراكز الثقافية التابعة للبلدية، والتي يتوفر فيها جميعا قاعات مغلقة لاستعمال متعدد الأغراض وبمساحات مناسبة، والتي من الممكن استخدامها لإقامة معارض .
إنني أصطف إلى جانب مختلف الأصوات التي عارضت قرار المجلس البلدي، إقامة مشروع أرض معارض في المدينة، في منتزه جمال عبد الناصر وبصيغته المعلنة والمتمثل ببرنامج التصميم الذي تم تسليمه للمهندسين الداخلين في عطاء التصميم، او عبر تغيير اسمه إلى حديقة المعارض، في محاولة للإلتفاف على الأصوات المعارضة له، وعبر إشراك الغرفة التجارية الصناعية، إيمانا مني أن المشروع يسلب حق المواطن النابلسي، وجميع زوار المدينة، من جزء مهم وحيوي للمساحة الخضراء في المدينة، هي بأمس الحاجة اليه، وإلى ضرورة توسيع نطاق المساحات الخضراء بشكل عام، بدلا من البناء عليها، لا سيما مع وجود بدائل متعددة لإقامة أرض المعارض، ناهيك عن الأزمات المرورية المتوقعة وكلفة الأرض الباهظة المخصصة للمشروع والبالغة "8,5 دونم" بما يشكل 11% من المساحة الكلية لحديقة جمال عبد الناصر، وبناء قاعات مغلقة وخدمات للمعارض وملاعب خارجية بمساحة 50% من الأرض المخصصة (حسب برنامج التصميم). وهذا كفيل باختصار مساحات خضراء ونحن بأمس الحاجة إلى زيادتها وليس لاستنفاذها.
أحترم قرار الأغلبية من زملائي أعضاء المجلس البلدي بإقرار هذا المشروع ( 6 معارض على موقع المشروع – 7 موافق و2 من الأعضاء موافقون بتحفظ على نظام البناء وبرنامج التصميم)، إلا أنني أرى أيضا، أنه من الهام للغاية الالتفات إلى صوت أغلبية المواطنين في المدينة، وإلى اراء المتخصصين، والاعلاميين، الذين مثلوا إرادة الأغلبية من أهل نابلس، سواء كان ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو التواصل المباشر معنا نحن أعضاء المجلس البلدي.
آمل من زملائي أعضاء المجلس البلدي الذين صوتوا بالموافقة الإستماع جيداً إلى رأي زملائهم والجمهور المعارضين؛ وبروح النقد البناء البعيد كل البعد عن أي أجندات أخرى سوى خدمة المواطن والمدينة.
إن أولويات المجلس البلدي في إنجاز المشاريع وخدمة المواطن يجب أن تكون محددة وحسب دراسة الاحتياج ودراسة الجدوى للمنفعة العامة والجدوى الاقتصادية والأولويات، فهناك العديد من المواطنين تنقصهم خدمة المياه والصرف الصحي والشوارع والأدراج وأماكن الترويح والمدينة بحاجة إلى تطوير حقيقي ملموس بالنظافة قبل أن ننشأ أرض معارض ثابتة في وسط المدينة (تستعمل مره أو مرتين بالسنة) وعلى حساب الفئة الكبرى من المواطنين ، لأننا بحاجة ماسة إلى زيادة المساحة الخضراء وأماكن التنزه الخالية من دفع الرسوم في المدينة وخلق أماكن لعب للأطفال خاصة أن المدينة امتلأت بأبنية المراكز التجارية والدكاكين والعمارات متعددة الطوابق والتي لم يتم وضع أسس ومعايير لإيجاد أمكان لعب للأطفال فيها، فأصبح الشارع هو الملعب لهؤلاء الأطفال والذي يشكل خطورة كبيرة على سلامتهم.
وكان قرار المجلس البلدي في جلسة سابقة وبالإجماع بتخصيص مبلغ (265000 يورو) لتطوير حدائق جمال عبد الناصر من حصة البلدية من صندوق البلديات منسجما مع هذا التوجه، حيث تم تخصيص هذا المبلغ لتطوير ملاعب، وألعاب الأطفال، والزراعة، والمرافق الصحية، وطاولات الطعام، والممرات، والنظافة، وإنارة المنتزه ..إلخ، وليس لبناء قاعات معارض وكذلك كان إقرار (مشروع شريان الحياة) للمياه بالاجماع وقرارات فتح الشوارع وبناء الأدراج العامة بالإجماع، وقرارات شراء مضخات وقطع غيار للمياه بالإجماع وقرارات تحسين النظافة في المدينة بالإجماع، وكلها تصب في أولوياتنا وخدمة المواطن.
ختاما أضم صوتي لصوت أغلبية أهالي نابلس، بضرورة مراجعة المشروع، ومراجعة أولويات العمل داخل البلدية ضمن الموارد المالية والقدرات الفنية المتاحة، ومن الضروري أن نتفهم جميعاً أن الوقت الكافي الذي تم إعطاؤه لإعداد دراسات والتروي في أخذ قرارات لمشاريع هامة لا يشكل إعاقة لتنفيذ هذه المشاريع بل هو يساعد على نجاعتها وتقصير مدة تنفيذها وتخفيض كلفتها والمحافظة على المال العام، مع ثقتي التامة بأخوتي وزملائي في المجلس البلدي، وانتمائهم الصادق لنابلس، ومواطنيها .
المهندس سميح طبيلة / عضو مجلس بلدي نابلس