الدكتور ناجي صادق شرّاب - النجاح الإخباري - منذ البداية أعلن الرئيس محمود عباس وبوضوح ان معركته السياسية الحقيقية هي معركة السلام والمفاوضات. السلام أولا من اجل أن يعيش شعبنا في إطار دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، دولة ديموقراطية تنمويه تساهم في أمن وإستقرار المنطقة والعالم، ولا تشكل أي تهديد حتى لإسرائيل أو غيرها من الدول، دولة ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة.
ولذلك كانت معركة السلام هي المعركة الكبرى التي واجهت وتواجه الرئيس. ولعل معركة السلام هي المعركة الحقيقية والأكثر خطورة التي تواجهها إسرائيل، لأن إسرائيل لا تريد السلام المبني على قرارات الشرعية الدولية والتي جوهرها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي تضيف للسلام، وتعني تقليص تمدد إسرائيل كدولة قوة بحدود مفتوحة.
معركة السلام تكشف مواقف إسرائيل الحقيقية من الدعوة للسلام والديموقراطية ورسالتها الأخلاقية. وتكشف سياسات الاحتلال، والقمع والإعتقال اليومي للمواطن والطفل الفلسطيني. وتدرك إسرائيل خطورة هذ المعركة، لذلك حرصت على إجهاضها بكل الوسائل تارة بالزعم أن الرئيس ليس شريكا حقيقيا للسلام، وانه يرفض التفاوض المباشر، ومن قبله الرئيس الراحل عرفات الذي وجهت له إسرائيل نفس التهم، وتارة بأن الرئيس يحرض على العنف والإرهاب عندما يقف إلى جانب شعبه، ويحتضن الأسرى والشهداء والجرحى، وتارة بوقف أموال الضرائب وهي أموال فلسطينية، وتارة بالتلويح بالإغتيال السياسي الذي هو ليس بعيدا عن الإغتيال الجسدي.
ولم تقتصر معركة السلام على إسرائيل بل في التصارع والعراك السياسي مع الولايات المتحدة، ومع كل إداراتها المنحازة لإسرائيل، ولعل اقسى هذه المواجهات تجري مع الإدارة الحالية للرئيس ترامب الذي ذهب بإنحيازه بعيدا بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم يتوان الرئيس في مواجهة هذه الإدارة بكل وسائل القوة المتاحة سياسيا وإعلاميا وذهب في خطابه السياسي إلى درجة التحدي ، ووصل هذا التحدي في قلب مجلس الأمن والمغادرة عندما بدأت المندوبة الأمريكية نيكي هايلي بإلقاء كلمتها.
وهذه المعركة السياسية من أجل السلام ليست معركة متكافئة، ويدرك الرئيس ذلك، فالولايات المتحدة هددت وقلصت دعمها المالي لوكالة الغوث «الأونروا»، ولكل المنظمات الدولية التي تتبنى الموقف الفلسطيني كاليونسكو، والتهديد فعلا بغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن وتقليص المساعدات التي تقدم للسلطة.
وأخطر ما في هذه المعركة إستباق ما يسمى بمبادرة أو «صفقة القرن» التي أسماها الرئيس «صفعة القرن» معلنا رفضه المسبق لها إذا لم تستجب للمطالب الفلسطينيه التي أقرتها الشرعية الدولية، وهو تحدي سياسي لم تتعود عليه الولايات المتحدة من أقوى الدول ورؤسائها، فكيف برئيس يكافح من أجل دولته المستقلة وإنهاء الاحتلال.
في أدبيات السياسة الأمريكية له ثمن سبق للرئيس عرفات دفعه، ومع ذلك فإن الرئيس يستمر في تحديه السياسي من أجل معركة السلام.، وفي إرهاصات هذه المعركة استطيع أن أستبق وأقول وان الرئيس قد حقق نصرا ولو غير محسوس بإدراك وإعلان الرئيس ترامب نفسه انه لا مفاوضات بدون الرئيس عباس.
وساحات هذه المعركة لا تقتصر على نقض الرواية الإسرائيلية وكشف نواياها الحقيقيه نحو الإلتزام بسلام عادل يحقق التوازن في الحقوق، ولا على كشف الدور المنحاز لأمريكا بل تشمل كافة المنظمات الدولية والإقليمية والسعي من خلالها للتثبيت القانوني لفلسطين الدولة وهو ما حقق من خلاله إنجازات كبيرة، وأيضا إقناع كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتأييد قبول فلسطين ـ ودعم الموقف الفلسطيني المستند على قرارات الشرعية الدولية، وهذا ما يفسر لنا الديبلوماسية المكوكية التي ينتقل من خلالها الرئيس من دولة لأخرى.
ويرتبط بمعركة الديبلوماسية تبنى المفاوضات وعلى الرغم من تعثرها لكنها في النهاية صراع إرادات وقوة. هذه المعركة السياسية الكبرى التي يواجهها الرئيس بإماكانات وعناصر قوة قليلة ومحدودة إدراكا منه الحتمية النصر فيها.
وإلى جانب هذه المعركة السياسية هناك المعركة السياسية الكبرى في الداخل والتي تتجسد في العمل على إنهاء الإنقسام، وإعادة بناء المنظومة السياسية الفلسطينية بما يدعم المعركة السياسية الأولى، ومن هنا دعوة الرئيس دائما لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والعمل على صياغة المشروع الوطني الفلسطيني بما يتستجيب لمكونات وشرعية القضية الفلسطينية. ومن هنا تأتي دعوة الرئيس لعقد المجلس الوطني الفلسطيني بهدف إعادة تكوين منظمة التحرير الفلسطينية والتهيئة لتسليم راية الرئاسة السياسية في أصعب المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية.
وقد يشكك البعض في جدوى هذا اللقاء تحت ذريعة الإنقسام، والبديل لذلك الفوضى السياسية الكاملة التي قد تجرف ما تبقى من القضية، هذه المعركة السياسية أرى انها من أهم المعارك التي يخوضها الرئيس، لأنها معركة تفرضها الظروف الملحة السائدة، فلا بد من ترتيب البيت السياسي الفلسطيني ، وتوفير كافة الضمانات التي تضمن إنتقالا سلسا للسلطة ، وهى معركة ينبغي أن يقف الجميع فيها صفاً واحداً والتوافق عليها بدلا من المقاطعة السياسية التي تعفي صاحبها من تحمل المسؤولية.
هاتان المعركتان السياسيتان الكبيرتان أو ما يحلو بتسميتهما أم المعارك السياسية، وخطورتهما تفوق كل الأشكال الأخرى من المعارك العسكرية، وتتوقف عليهما العديد من المعارك الجانبية المتعلقة بالحفاظ على مؤسسات السلطة السياسية وتفعيل دورها والحفاظ على وحدانية السلطة ووحدانية الأرض والشعب.
وليكن معلوماً ان الرئيس بوضعه السياسي كرئيس للسلطة ولمنظمة التحرير والدولة الفلسطينية هو الذي يوحد القضية الفلسطينية الآن، والمعركة التي يخوضها الرئيس الآن هي الحفاظ على هذه الوحدانية من خلال إعادة بناء المنظومة السياسية والحفاظ على وحدانية منظمة التحرير وتمثيلها للشعب الفلسطيني.
drnagishurrab@gmail.com