أسعد تلحمي - النجاح الإخباري - يحتار الإعلاميون الإسرائيليون، خصوصاً أولئك المتابعين منذ سنوات كثيرة الشؤون الحزبية، في قراءة موقف الإسرائيليين من زعيمهم في العقد الأخير، بنيامين نتانياهو، الغارق منذ أكثر من عام في تحقيقات بوليسية في ملفات فساد مالي، فمن جهة يكاد أكثر من نصفهم يصدق، رواية الشرطة والشهود الذين قدموا إفادات تدين نتانياهو، ومن جهة أخرى ترتفع شعبية نتانياهو وحزبه «ليكود» لتتوقع الاستطلاعات بأنهما باقيان في سدة الحكم بلا منافس.

لبضعة أيام ساد الاعتقاد بأن الملف الأخير، القائم على علاقات «هات وخذ»، أي رشوة (بين نتانياهو، ورجل أعمال يملك شركة اتصال ضخمة وموقعاً إخبارياً رائداً على شبكة الإنترنت) يغلق جميع النوافذ أمام نتانياهو وأن دقات ساعة عمره السياسي تتسارع وما عليه سوى إعداد حقائبه للرحيل إلى بيته أو إلى السجن.. لكن، لبضعة أيام فقط. إذ جاء الاستطلاع الأخير ليبيّن أنه لو جرت الانتخابات اليوم لحقق «ليكود» أفضل نتائجه في السنوات العشر الأخيرة.

تمايزت قراءات المعلقين لهذه «الظاهرة»، وواصلوا السجال حولها وغلبت في قراءتهم الحيرة إذ لم يشهدوا مثلها من قبل. قبل عقود أربعة أو خمسة حوكم وزراء وشخصيات نافذة على تهم أخف بكثير من تلك الموجهة لنتانياهو. وفقط قبل عشر سنوات لم تصبر الساحة السياسية على رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت ودانته ومعها الرأي العام بالفساد وأطاحت به عن كرسيه حتى قبل أن ترسله المحكمة إلى السجن وتسدل الستار على حياته السياسية.

لم يؤثر السيل المتدفق من المقالات اللاذعة والمدينة إلى نتانياهو على شعبيته في أوساط اليمين، وتحديداً في حزبه «ليكود»، ما دفع به، مستغلاً قدراته الخطابية الفائقة، إلى شن هجوم مضاد طاول سلطات تطبيق الحكم، على رأسها الشرطة، في محاولة لإقناع أوساطه بأن الشرطة، متآمرةً مع وسائل الإعلام واليسار، تعمل على إسقاط حكم اليمين.

ويأخذ ناخبو «ليكود» هذا الكلام منزلاً، وهم المعروفون بوفائهم لزعيمهم، وليس صدفةً أنه خلال نحو نصف قرن تزعمن الحزب أربع شخصيات فقط. إنهم يتماهون مع نتانياهو حتى إن أيقنت نسبة كبيرة منهم أن الشبهات ضده لها أساسها المتين، وكأنهم يقولون إنه بالرغم من الفساد فإننا نريد أن يبقى نتانياهو قائداً لهذه الدولة لسنوات كثيرة أخرى.

لجأت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في محاولة لفهم كنه هذا التعاطف الشعبي مع نتانياهو، إلى أخصائي الطب النفسي الباحث المرموق في «الدماغ الإسرائيلي» البروفيسور يورام يوفيل. فذهب في تحليله إلى أن الإسرائيليين معروفون بأن لا حدود لديهم، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم ترسم حدودها ولا تريد أن ترسمها، «وعندما يرى الإسرائيليون حدوداً يشرعون في التفكير كيف يمكن توسيعها وكيف يمكن اجتيازها. اسألوا كل من لم يحالفه الحظ ودخل في صراع مسلح معنا». من هنا يستنتج أن الإسرائيلي لا يعرف بعد أين تنتهي علاقة «ساعدني أساعدك»، ولا يعرف أين تمر الحدود بين ما هو مسموح بين الأصدقاء وبين ما هو فساد جنائي لأصحاب النفوذ والمال، وان «سلطة القانون» لا تعني الإسرائيلي العادي وهذا ما يعرفه نتانياهو ويعزف على وتره. ويضيف أن الإسرائيليين بطبعهم متعودون على المراوغة في المنطقة الرمادية بين المسموح والمحظور، ويحاولون توسيع حدود المسموح والتخلص بسرعة ممن يحاول الإمساك بهم، وفي هذا نتانياهو يشبههم.

مع ذلك، ثمة قناعة لدى كثيرين بأن نتانياهو لن ينجح في تمويه أعضاء حزبه لوقت طويل، وأنه لا بد من أن يأتي «صندوق الشرور» الذي سيفتحه «شاهد الملك» المستشار الإعلامي السابق لعائلة نتانياهو نير حيفتس بإدانات دامغة، فالحديث هو عن «ابن بيت» يعرف التفاصيل الصغيرة عن سلوك الزوجين نتانياهو ووزراء آخرين الذين يخشون هم أيضاً ممن اعتبروه في السابق «استوديو تسجيلات متنقل»، على خلفية قيامه بتسجيل صوتي أو بالفيديو لكل صغيرة وكبيرة، فيفاجئهم بتسجيلات تدينهم. حيفتس كشاهد ملك، هو «الصيد الكبير» الذي التقطته الشرطة في شباكها، وهو الأمل الأخير لها بإدانة نتانياهو، حتى إن احتاج الأمر بضعة أشهر أخرى.