د. ناجي صادق شراب - النجاح الإخباري - التصريح الذي أعلنه الملك عبد الله الثاني ملك الأردن أنه لا سلام بدون الدور الأمريكي ليس تصريحا عاديا، بل هو تصريح من أكثر القيادات السياسية قربا وفهما لعقلية الإدارة الأمريكية وينبغي أن يأخذ بجدية كاملة. أولاً هذا التصريح لا يعني التسليم مسبقا بصفقة القرن وما سيطرح من مبادرة. وثانياً لا أحد يستطيع أن يفرض مبادرته بالقوة حتى لو كانت الولايات المتحدة/ لكن المقصود ثالثا وهذا الأهم ان لا مبادرة بديلة في الظروف الراهنة للمبادرة الأمريكية . ولذلك الحديث والذهاب في البحث عن دور بديل لن يحقق السلام في المرحلة الأولى للرئاسة الأمريكية، والتي قد تدخل في مرحلة الإستعداد للرئاسة الثانية. ويشير التصريح بموضوعيه أن إستراتيجية المقاطعة الكاملة للإدارة الأمريكيه قد لا تكون الإستراتيجية الأكثر تأثيراً، من حق الفلسطينيين أن يعبروا عن رفضهم ونقدهم للقرار الأمريكي بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لمن هذا القرار ومهما كانت حدوده لا يسقط قضية القدس. والحديث عن إقتراب المبادرة الأمريكية وطرحها يفرض على الجانب الفلسطيني الإسراع في دراسة كل الخيارات المتاحة والممكنة، والإسراع بالتحرك عربيا ودوليا. وإبتداء الفلسطينيون على دراية شاملة بالخطوط العريضة لم يسمى بصفقة القرن وهذا ما أكده الدكتور صائب عريقات في تقرير له حول هذه المبادرة. وبقراءة مسبقة للصفقة ينبغي ان لا يفاجأ الفلسطينيون من الكثير من عناصرها/ والملاحظات الأولية التي يمكن البناء عيها في أي خيار هي: ان هناك علاقه وثيقة بين الحديث عن تسوية نهائية وإلغاء الملفات الرئيسة للقضية وخصوصا ملفي القدس واللاجئين. فهذا متوقع ان تشير إليهما المبادرة. والملاحظة الثانية الأخذ بالإعتبار المتطلبات الامنية الإسرائيلية من نواح عديدة تتعلق بالحدود والتواجد العسكري الإسرائيلي في منطقة الأغوار للفصل الإستراتيجي بين أي دولة فلسطينية والعمق الأردني، والملاحظة الثالثة الحديث عن دولة فلسطينية أمنية اي لها وظيفة أمنية في حفظ الإستقرار والتصدي لأي أعمال عنف. والقراءة الثانية للصفقة ربطها هذه المره بالإطار الإقليمي العربي اي تشجيع الإعتراف العربي باسرائيل، مشتغلة التطورات والهديدات الإقليمية التي تتهدد المنطقة وخصوصا من جهة إيران، وهو ما يعني القفز وإلغاء المبادرة العربية كإطار ومرجعية لهذه العلاقات.

والسؤال هنا بعد هذه الملاحظات عن السيناريوهات الفلسطينية، وعن المعيقات والصعاب التي يمكن أن تحول دون تنفيذ المبادرة وتعمل للصالح الفلسطيني؟ الفلسطينيون لم يشاركوا في الصياغة النهائية للمبادرة عكس إسرائيل التي شاركت في صياغتها عبر كوتشينر وغرينبلات وفريدمان وهم الصوت المعبر عن مصالح إسرائيل. لكن تم الإستماع لوجهة النظر الفلسطينية والعربية ولا أعتقد انه قد تم تجاهلها تماما. هذه المباردة لتقبل لا تحتاج لموافقة إسرائيل وهي أصلا قائمة، ولكنها في حاجة لركيزتين الأولى : الأولى وعلى ضعف الموقف الفلسطيني فلا احد يستطيع ان يفرض عليهم ما يتعارض ويلغي مصالحهم الوطنية او لا يلبي الحد الأدنى من حاجاتهم الوطنية. وهنا قاعدة تحكم الموقف السياسي الفلسطيني الشعوب لا تخضع ولا تستسلم. والركيزة الثانية ان الموقف العربي لا يمكن ان يكون بعيداً عن الموقف الفلسطيني، ولا تملك أي دولة عربية ان تعلن علنا عن قبولها للمبادرة دون موقف فلسطيني عربي واحد وان كان المتوقع عدم الإعلان الصريح عن رفضها. هاتان الركيزتان ستفرضان على الإدارة الأمريكية ان تخضع المبادرة للتفاوض، فلا توجد مبادرة فوقية تفرض دون تعديل، فهذا لا يتحقق الا في حالة واحدة حالة الحرب الشاملة والإنتصار الساحق والهزيمة الكاملة وهذا غير قائم. وتبقى الولايات المتحدة في حاجة للموقف الفلسطيني والعربي لدعم إستراتيجياتها العليا في المنطقة.

وأضافة لذلك ركيزة ثالثة أن البيئة التي تطرح فيها المبادرة إقليميا ودوليا لا تعمل على لصالحها بالمطلق كثير من التغيرات والتحولات في بنية القوة الإقليمية والدولية لا تعمل للصالح الأمريكي، وقدر كبير منها يؤيد الموقف الفلسطيني. ولا يمكن للسلام أن يفرض بقوة السلاح أو بقوة العقوبات الإقتصادية، ولعل الإدراك الغائب عن الإدارة الأمريكية أن الشعب الفلسطيني الذي عانى من الاحتلال لم يستسلم، ويملك قوة الصمود التي تسمح له برفض أي مبادرة لا تلبي الحد الأدنى من تطلعاته الوطنية وحسنا فعل الرئيس في خطابه التاريخي عندما عرض مبادرته ورؤيته للسلام، وهي مبادره تقوم على الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية وتستند للشرعية الدولية ومرجعيتها مجلس الأمن، ولم يرفض بالمطلق الدور الأمريكي، ونظرا للقوة الدولية التي تقوم عليها هذه الرؤية، فقد شكلت خطوة إستباقية مهمة لإحتواء المبادرة الأمريكية قبل أن تعلن، ورسالة فلسطينية ان الفلسطينيين لا يقبلون بأقل من دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وان البديل لذلك خيار الحرب الذي تدفع في إتجاهه المبادرة الأمريكية.

drnagishurrab@gmail.com