علاء الدين أبو زينة - النجاح الإخباري - كأنما لا يكفي نساء الشرق الأوسط هذا التاريخ الطويل من الإخضاع في المجتمعات الذكورية، حتى تُضيف النزاعات الوحشية حصتها من الأعباء عليهن. وبعد أن كان العنف ضد النساء حالات شخصية، وضعت الصراعات الكثير منهن في مركز العنف الهائل في السياق الواسع الدموي الذي تعيشه المنطقة. وتراجعت مسألة حقوق المرأة من تعزيز المكاسب إلى مجرد الحق في الحياة.
تتعرض المرأة العربية الآن لهجمة من طائفة واسعة من وحوش العنف: الصدمات البدنية والنفسية، والحرمان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتحمل مسؤولية الأسرة مع ذهاب الرجال إلى الحرب أو موتهم أو عجزهم عن إيجاد عمل. وفوق كل ذلك، يترتب عليها في كثير من الأحيان أن تتدبر وحدها أمر عبورها بنفسها وأولادها الحدود والموانع المعادية، هرباً من الموت على الأعقاب، وبحثاً عن مجرد فرصة الحياة.
بعد نكبة النساء الفلسطينيات واختبار قسوة عبور الحدود إلى المنافي، أضيفت الآن عشرات الآلاف من النساء العربيات إلى معايشة خبرة تفكك الحياة اليومية، وفقدان الوطن، والاستبعاد والعزل اللذين يعانيهما اللاجئون. وفوق ذلك، تعبر مئات النساء العربيات الحدود لأسباب مختلفة: للانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة والمشاركة في مشاريعها، سواء بالترفيه عن المقاتلين أو حتى بحمل السلاح وتنفيذ العمليات الانتحارية. والعملية كلها انتحارية في نهاية المطاف، حيث تعمل المرأة ضد نفسها من حيث الانضمام طوعاً إلى منظومة إخضاعها وتسليعها، أو من حيث تعريض نفسها للتصفية الجسدية وتمارس التصفية الجسدية والعنف ضد غيرها. وفي جهاديات النكاح أو شرطة "داعش" النسائية التي تختص بقمع النساء مثال قاتم على هذه الوجهات.
الحدود المعسكرة عدائية بشكل خاص تجاه النساء. وعلى الجانب الآخر منها، إذا تيسر عبورها، مجتمعات لا تحجم عن الاستثمار في هشاشة أوضاع اللاجئات. وهناك الذين يرغبون الاتجار فيهن بمختلف الأشكال، سواء بالاستغلال الجنسي، أو الزواج غير الاختياري في نهاية المطاف نتيجة حاجة اللاجئات إلى الحماية والإعالة، أو زيجات البنات الصغيرات لنفس الأسباب. وفي بيئات مخيمات اللجوء، سواء في مجتمعات المنطقة الذكورية أو خارجها، تختل كل المعادلات بالنسبة للفتيات، سواء من حيث فقدان الفرصة في التعليم والمستقبل، أو في شكل العلاقات المركبة وخبرة العيش مع غرباء من اللاجئين الآخرين أو أفراد المجتمعات المضيفة، أو العيش مع المزيد من التهميش واحتمال التعرض للإيذاء وذهاب الحياة في وجهات شديدة القسوة.
في الربيع العربي الذي حُوِّلت وجهاته من مطاردة الحرية إلى انقلاب المجتمعات على نفسها، انخرطت النساء بكثافة في التعبئة السياسية، وشاركن في احتجاجات الشوارع مع كل ما جلبه عليهن ذلك من عنف الشرطة، وفحوص البكارة، والتحرش والإيذاء. وبعد إجهاض حلم الربيع، كانت النساء خاسرات بشكل مضاعف بعد استيلاء الأحزاب المحافظة أو العسكر مرة أخرى على البلدان. ومرة أخرى، وُضعت الحدود أمام رغبة المرأة العربية في التقدم بقضيتها. وفي البلدان التي أطبق عليها العنف، اختبرت النساء أفظع شكل ممكن من المهانة، حيث عرضتهن الجماعات العنيفة المتطرفة للاغتصاب والتزويج القسري من المقاتلين والخطف والاسترقاق والبيع والشراء حرفياً. ولا يمكن حصر الآثار التي سيخلّفها ذلك على هؤلاء النساء والمجتمعات والأسر.
باختصار، أصيبت قضية المرأة العربية بانتكاسات كبيرة في العقد الأخير، وبنيت حولها المزيد من الحواجز والأسوار التي ضيّقت حيزها وجعلت عبورها إلى أفق أرحب أكثر صعوبة. ومن ليبيا، إلى اليمن، إلى مصر والخليج وفلسطين والعراق وسورية وكل ساحات العنف في المنطقة، تراجعت مطالبات النساء إلى مجرد الأمن الفيزيائي والبقاء على قيد الحياة لهن ولأسرهن، وأصبحت المجازات إلى الحقوق العليا، مثل المساواة في القوانين والعمل والدساتير، مغلقة بالكثير من الركام.
حتى اليوم، ومع كل النظريات والخطابات وأيام المرأة، ما تزال قضية النساء في العالم قيد العرض أمام محكمة الإنسانية والعدالة كل يوم، من دون كسب حكم نهائي ملزم وعادل. لكنَّ قضية المرأة العربية تزيد في تعقيدها عن كثير من مثيلاتها، وتسير في اتجاه تقويض أي مكاسب كان يمكن التحدث عنها. وبدلاً من هدم الحدود، يضيف العنف الحدود الفيزيائية التي تجد النساء أنفسهن مجبرات على عبورها إلى الحدود الاجتماعية والقانونية المعادية القديمة، وتعيدهن قسراً إلى بدء الطريق مجدداً، من الأولويات.