عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - يوم الجمعة الماضي أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس في أيار/ مايو المقبل، اي في الذكرى الـ 70 لنكبة الشعب الفلسطيني، وهي ذكرى أليمة وقاسية. وكأن الولايات المتحدة بقرارها اللئيم تريد ان تنكأ الجراح الفلسطينية أكثر فأكثر، وتحاول كي الوعي الفلسطيني ليقبل بالمواقف الاميركية المتناقضة مع مصالحه الوطنية، ومواثيق وقرارات الشرعية الدولية، وكأنها ثابت من الثوابت، وأمر بات مفروغا منه، على اعتبار أن ما تقرره الإدارة الأميركية يصبح "أمراً مسلما به" و"حقيقة دامغة"، وهو ما ترفضه القيادة والشعب، ولا تسلم به، ولا يحمل بالنسبة للفلسطينيين اي دلالة سياسية، ولا يلزمهم إلا بالدفاع عن ثوابتهم الوطنية. 
مما لا شك فيه، أن العديد من نخب الشارع السياسي عندنا راهنت لبعض الوقت على مراجعة الادارة الأميركية لاعلانها بشأن القدس خدمة لمصالحها السياسية، لكن الرئيس ترامب وأركان إدارته المتطابقة مع توجهات ائتلاف اليمين المتطرف الإسرائيلي الحاكم لم يعيروا انتباها لمركبات الصراع الدامية منذ سبعة عقود، ولم يأخذوا بعين الاعتبار الرفض الفلسطيني والعربي والأممي للقرار الأهوج، وواصلوا التمسك بذات القرار العدائي، وتشددوا في انتهاج ذات السياسة الجائرة والعدمية. ولهذا عادت مندوبة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هيلي وصرحت بأن "السماء لم تسقط"، وبات أمر الاعتراف بالقدس "مقبولا"؟! 
لكنها تجهل جهلا تاما، هي وباقي أركان الإدارة سياسة الشعب الفلسطيني وقيادته، فالقيادة الحكيمة والشجاعة، لم تذهب إلى دائرة التطرف، وحرصت على التعاطي المسؤول والدبلوماسي مع القرار الأميركي المشؤوم، وانتهجت سياسة مرنة لإعطاء فرصة للرئيس ترامب وأركان إدارته لمراجعة الذات، واشتقاق سياسة مغايرة، والابتعاد عن منطق الاستخفاف بالحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية، واستنباط ما يشي بالحرص على التوازن في التعاطي مع ركائز التسوية السياسية، والابتعاد عن توجهات سفيرها الصهيوني الأرعن، ديفيد فريدمان، الذي يمثل صورة الصهيوني الأكثر تطرفا وعدوانية ضد الشعب الفلسطيني. لكن إدارة ترامب لم تراجع ذاتها، ولم تأخذ المرونة والحكمة الفلسطينية بعين الاعتبار، وافترضت أن ذلك استسلام وقبول بالقرار المشؤوم. وهذا ناجم عن فقر حال سياسي، الأمر الذي يفرض على القيادة الفلسطينية انتهاج سياسة مغايرة تستجيب لمصالح الشعب العليا، وتعكس الإصرار على رفض القرار اللعنة وتداعياته لإرسال رسالة للولايات المتحدة والأقطاب الدولية على حد سواء، لا سيما ان معظم تلك الأقطاب لا تستطيع تجاوز الموقف والقرار الأميركي ارتباطا بالمعادلة الدولية الناظمة لتقاسم النفوذ في العالم. 
وهذا يتطلب انتهاج سياسة أكثر صرامة وقوة في مواجهة التحدي الأميركي السافر، كي تصغي الأقطاب الدولية جيدا للرفض الفلسطيني، وحتى تستشعر تلك الأقطاب الأخطار المحدقة بالأمن والاستقرار في إقليم الشرق الأوسط عموما الناجم عن ذلك القرار الإجرامي. ولإدراك أبعاد الحكمة السياسية، التي انتهجها الرئيس محمود عباس، في انها ليست نتاج ضعف، بل كانت من موقع القوة والشجاعة. لكن من الواضح أن أميركا لا تعرف سوى لغة خلط الأوراق. التي لن تتردد القيادة الفلسطينية في كشفها للدفاع عن الأهداف الوطنية، كما يليق بالسجل الوطني الفلسطيني لترسل درسا مهما لنيكي ورئيسها ترامب، ولتؤكد لها أن اللعب مع الفلسطينيين ليس أمرا سهلا، بل مكلف، وله ثمن غال. دون ان يعني ذلك للحظة التخلي عن خيار السلام، والتسوية السياسية والكفاح الشعبي السلمي كناظم للمواجهة مع دولة الاستعمار الإسرائيلي. وهو ما يمنحها القدرة على الإمساك بزمام الأمور، وعدم السماح لأي طرف في المنطقة والإقليم التحدث نيابة عنها وعن شعبها صاحب القرار الأول والأخير في الصرع، وكونها المعنية بالدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية العليا. 
oalghoul@gmail.com