د. دلال عريقات - النجاح الإخباري - خرجت تعليقات كثيرة إثر خبر تناقلته وسائل الإعلام أمس الأول، بخصوص اجتياز الحساب الشخصي لرئيس الوزراء د. رامي الحمد الله على الفيسبوك المليون مُتابع محققاً نجاحاً ملحوظاً على مستوى الدبلوماسية الرقمية. علق البعض إيجاباً، وعلق آخرون مستهجنين المصطلح المستخدم «الدبلوماسية الرقمية» حتى أن البعض قال: «على القدس رايحين، لايكات بالملايين»!
ما يثير دهشتي، أن البعض يتعجل إطلاق الأحكام دون إلمام؛ فقبل أسابيع صدر بحث أكاديمي عن مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت حول الدبلوماسية الرقمية ومكانتها في السياسة الخارجية الفلسطينية، وقد تم اعتماد الأداء الرقمي لوزارة الخارجية الفلسطينية كحالة دراسية بعد أن أتت فلسطين في المرتبة ٧٢ عالمياً في تقرير الدبلوماسية الرقمية ٢٠١٦ الصادر عن مركز إسطنبول للشؤون الرقمية، والذي يقيس أداء الدبلوماسية الرقمية لـ ٢١٠ وزارات خارجية حول العالم، ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل حصلت على المركز الثامن متقدمة على دول عُظمى ومتقدمة مثل ألمانيا واليابان وكندا وسويسرا والسويد وغيرها، وقد انتقد البحث ضعف أداء الدبلوماسية الرقمية لدى المؤسسات الرسمية الفلسطينية مقارنة بدول العالم، وأوصى بضرورة الاهتمام بهذا المجال والاستثمار فيه لما له من تأثير في عالمنا اليوم. وقد عزا الكاتب السبب لعدم معرفة الدبلوماسيين الفلسطينيين بالدبلوماسية الرقمية وأهميتها ومغزاها! فمعظم رؤساء دول العالم المتقدم ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية وغيرهم يعتمدون حالياً على الدبلوماسية الرقمية والتي تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي للتفاعل مع الجمهور ولإرسال رسائل ونشر سياسات تجاه شعوبهم وشعوب العالم.
ولأنني أوليت اهتماماً خاصاً بالدبلوماسية في السياسة الخارجية كتخصص أكاديمي، وجب عليّ توضيح حقيقة أن الدبلوماسية هي فرع رئيس في حقل العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كما أن للدبلوماسية أشكالاً وأدوات متعددة، منها الدبلوماسية العامة التي تتفرع عنها دبلوماسية الإعلام؛ أي أن يستعمل الدبلوماسي وسائل الإعلام المختلفة لتحقيق غايات وعلاقات وأهداف دولته بأسهل وأسرع الطرق من خلال التأثير بالرأي العام. أما مصطلح الدبلوماسية الرقمية والذي يُسمى أيضاً (الدبلوماسية الإلكترونية) E-Diplomacy إشارةً للمواقع الإلكترونية والخدمات التي تقدمها، فيندرج ضمن حقل دبلوماسية الإعلام وهذا تخصص حديث نسبياً ويلقى اهتماماً متزايداً لدى دول العالم المتقدم، وهناك تقارير سنوية عن الدبلوماسية التي تستخدم الإنترنت لحل المشاكل السياسية من خلال تويتر TwiDiplomacy ودبلوماسية الفيسبوك FacebookDiplomacy ولينكدإن LinkedIn وانستغرام Instagram وغيرها.
من الصعب إنكار حقيقة اهتمام رئيس الوزراء بمخاطبة الجماهير عبر قنوات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية مثل تويتر وفيسبوك، ومن الصعب إنكار أن ذلك نجح بالتأكيد في ردم الفجوة ما بين رئاسة الوزراء كمؤسسة رسمية من جهة والشعب من جهة أخرى، خاصة بعد أن أوعز رئيس الوزراء لفريق وحدة الإعلام التابعة لمكتبه برصد مناشدات المواطنين باستخدام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والرقمية أولاً بأول وهو يتابعها بشكل شخصي يومياً، كما أنه أصدر تعليماته وبالاتفاق مع كل الوزراء بأن تكون لكل وزارة أو هيئة صفحة فيسبوك رسمية بهدف التواصل مع الجماهير وتعريف المواطنين بالخدمات والمستجدات في كل وزارة بأسرع الطرق وأقلها تكلفة حتى تصل هذه المؤسسات لمرحلة تقديم الخدمات إلكترونياً عبر برنامج الـ E-government الذي يطمح د. الحمد الله لتطبيقه من أجل التسهيل على المواطنين إيماناً منه أن المواطن أولاً، حيث تأتي استراتيجية رئيس الوزراء لتحقيق رؤية أوسع وأشمل تهدف لتوحيد الرسالة الإعلامية الرسمية.
إن الانتقاد الإيجابي والاختلاف البناء مرحب به دائماً، ولكن عندما يهتم د. الحمد الله بمخاطبة الشعب ويحاول الوصول بأقرب وأسرع وأقل الطرق تكلفة لكل مواطن ويعمل على تجنيد التكنولوجيا ليتمكن من التواصل مع كل الفلسطينيين سواء في المحافظات الشمالية أو الجنوبية أو أينما تواجدوا بنفس القدر، ليس عدلاً أن يقابل بأحكام متسرعة أو استهزاء البعض.
بتبني هذه الاستراتيجية، لم يزعم رئيس الوزراء أنه «حرر القدس»، لكنه بالتأكيد أوصل رسائل مهمة لأبناء شعبه وبالتحديد أهلنا في قطاع غزة وفئة الشباب خاصة، وكذلك للعالم الخارجي. وتبقى الدبلوماسية الرقمية أداة من مجموعة أدوات كثيرة أخرى للتأثير في الرأي العام وصناعة وتشكيل السياسات.