نرمين نزال - النجاح الإخباري -
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من الروتين اليومي، لا يستطيع الشخص أن يقضي يومه دون تفقد هاتفه المحمول الذي لا يفارق يده، الملايين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي في العالم، لكن ما مدى ايجابيتها؟ وهل قدَّمت وسائل التواصل فائدة بقدر الضرر الذي ألحقته بالعقول؟
أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي ثورة كبيرة عمَّت العالم أسره، خاصة بعد ظهور العديد من التطبيقات، كـ "فيسبوك، وتوتير، وأسك، وسناب، والأنستا" وغيرها من التطبيقات، أصبح من السهل بناء العلاقات والتواصل بين الأقارب والأصدقاء،بل حتى إلى الغرباء، وسهَّلت الوصول إلى المعلومات، دون بذل جهد أو تعب، فقد أحدثت تغيراً كبيرًا وملموسًا في عصرنا الحاضر.
أصبحت أجهزة التواصل متاحة في أيدي الجميع، الصغير قبل الكبير، لاسيما المرأة بعد عصور الكبت، من الممكن أن نعد هذا التطور خطوة ودافعًا للتقدم والمعرفة، ومجاراة الواقع المعيش، وحتى نتساوى بغيرنا من الدول العربية والأجنبية.
هذا العالم المفتوح، سلاح ذو حدين تحدده طريقة الاستخدام، فعلى الرغم من الكم الهائل من المعلومات التي توفرها الشبكة العنكبوتية، وخلق جو افتراضي مليء بالأشخاص أصدقاء وغير أصدقاء، يشاركونك الرأي بما تتداوله عبر الشبكة مدحًا وذمًا، ما يشكّل دافعًا نحو تطوير الذات في بعض الأحيان بالإضافة إلى أن هذا التطور حقق فعلصا مقولة: "العالم قرية صغيرة" ، فقد قرّب المسافات وجمع الأشتات من بعد ماتفرقوا.
عالم نعيشه ما بين واقع وخيال، حتى أنك تشعر بصدمة عند قراءة "بوست" لأحد معارفك، فهو لا يمد لشخصيته بصلة، على ما يبدو أنَّ أغلب هذه الشخصيات تعيش على واقع النسخ واللصق دون التركيز بفحوى المنشور، ويسود جو من التناقض على الشخصية الواحدة التي تتحول حسب المناسبة، فتنتقل قفزًا من الموسيقى إلى التدين والدعاء عبر الفيس بوك ومن الثقافة والوعي إلى السخافة والتفاهة حسب المزاج، وحين تتفاءل مقررًا بأنه لا جهل بعد اليوم، سرعان ما تتراجع عن نظريتك بمجرد بدء نقاش مع أحدهم على أرض الواقع، تتأكد بأن المواقع وهمية خادعة.
ورغم كل هذا التطور إلا أنّه ما زال هناك العديد ممكن يستخدمون أسماء مستعارة، خاصة الفتيات، تتجنب الكثير منهن استخدام اسمها الصريح ربما خجلاً أو حتى لا يتعرف عليها أحد من أقاربها، أو لتجنب الوقوع في المشاكل خاصة أن الفتيات مستهدفات من قِبل النفوس المريضة فهي تخشى أن تكون طُعماً لأحدهم، كما ويتعمد العديد من الشبان استخدام أسماء مستعارة لمضايقة الفتيات، واستخدام حسابات وهمية لأغراض مخلة وغيرها من الأمور، والأدهى والأمر حين ينتحل أحدهم معلوماتك ليستخدمها لأهداف تسيء إليك بشكل خاص، ما دعى إلى ضرورة وجود وحدة الجرائم الإلكترونية للحد من هذه الظاهرة وغيرها.
عالم هدف إلى خلق شخصيات اجتماعية إلا أنه حبسها داخل عوالم افتراضية يقضي فيها الشخص ساعات يومه معزولًا في غرفته ويتعرف لمشاعر عائلته ومعارفه على صفحات التواصل رغم قرب المسافات فباتت القضية عكسية قربت البعيد وأقصتنا عن أنفسنا.
تمكن هذا التطور من سرقة ساعات كثيرة من أجل متابعة الأحداث أول بأول، خوفًا من أن يفوتنا مشهد أو تعليق، فهذا التعلق الكبير يحرم الشباب من استغلال وقتهم في قراءة الكتب المفيدة، أو تنمية المهارات النافعة، بل أصبحت كل العلاقات مبينة على تعليق أو لايك، ومجاملات ليس أكثر.
أمسى الناس يلتقطون الصور للأحداث الذي تدور حولهم سواء حزينة أم مفرحة، دون أن يعيشون اللحظة، وبات الهم الأكبر في تجميع أكبر عدد من اللايكات والتعليقات التي أصبحت مقياسًا لقوة العلاقة بيننا، دون أدنى قدسية للأمور العائلية، نشاركها جمهورًا ربما لا يتمنى لنا الخير، وقد نقع في العديد من المشاكل.
ولعل "الخيانة" المشكلة الأكبر التي طفت على السطح إذ يهرب كل من الرجل والمرأة من واقعه لعيش واقع خيالي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ما أثار الكثير من المشكلات التي تسببت بارتفاع نسبة الطلاق، وتدمير أسر بنيت لتعمّر وتنشء الأجيال القادمة.
أما فئة الأطفال فكان الخطر عليها أشد وقعًا، إذ يتعرضون لهجمات تستهدف عقولهم وأفكارهم فتصيبهم بالتشتت والدخول في متاهات لا حصر لها وربما تقودهم للانحلال من خلال غرف الشات والتحدث إلى الغرباء الذين يفتحون لهم باب المواقع الإباحية على مصراعيه وربما وقعوا ضحايا الابتزاز ومن ثمَّ الضياع، واللوم يقع كاملًا على الأهالي بالدرجة الأولى.
إذًا مواقع التواصل الاجتماعي خلقت عالمًا افتراضيًا يغص بالمشكلات اللامحدودة، وإنَّ استخدامه دون رقيب يؤدي إلى الهلاك حتمًا، كما أوجد فئة همهم الأول والأخير رصد أخبار الناس وتداولها
هنا يبقى الباب مفتوحًا أمام العالم بأكمله، لاستغلال وسائل التواصل الاجتماعي بما يعود بالنفع عليه، وتنظيم وقته وساعات الجلوس كونها تعتبر هذه المواقع وسيلة للتنفس، والتمرد على الواقع الذي نعايشه.