راسم عبيدات - النجاح الإخباري - الحرب تستعر على القدس بشراً وحجراً وشجراً....وقرار المتطرف ترامب الأخير بإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال، وضعنا أمام تحديات ومخاطر كبيرة، وامام مرحلة نوعية امريكية - اسرائيلية خطيرة عنوانها استخدام البلطجة ومنطق القوة في فرض الحلول وتصفية القضية الفلسطينية.. حيث شعر الإحتلال بأن هذه الإدارة الأمريكية اليمينية المتطرفة، بقراراتها هذه تمكنه وتوفر له الغطاء بالتحرر من قرارات الشرعية الدولية، وليشن حرباً شاملة على القدس والمقدسيين عبر سلسلة من القرارات والقوانين والتشريعات العنصرية، يضاف لها سلسلة من الإجراءات والممارسات القمعية بحق المقدسيين، في اوسع وأشمل إستهداف لهم في كل مناحي وتفاصيل حياتهم اليومية الإقتصادية والإجتماعية.
نعم القدس منذ خمسين عاماً وهي تصرخ كفى للإحتلال، كفى للقمع والتنكيل، كفى للإستيطان، كفى لتغيير الطابع الجغرافي والديمغرافي للمدينة، كفى لسياسة الطرد والترحيل والتطهير العرقي، كفى للإعتداء على حرية العبادة والمقدسات وفي المقدمة منها المسجد الأقصى، كفى للإستيلاء على الممتلكات والبيوت الفلسطينية، كفى لهدم البيوت المقدسية، والتي زادت عن (4000) منزل منذ بداية الإحتلال، وليتهدد خطر الهدم عشرين ألف منزل أخر،تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص، كفى لإستهداف تاريخ المدينة وتراثها وهويتها، فكل قراراتكم وتشريعاتكم وقوانينكم العنصرية من طراز "القدس الموحدة" و"القدس الكبرى"، لن تنجح في تهويد المدينة ولا جعلها عاصمة أبدية لدولتكم، فهذا عكس حقائق التاريخ والجغرافيا، فكل حفرياتكم أسفل وحول المسجد الأقصى وفي البلدة القديمة وسلوان وغيرها، لم تسفر عن أية آثار، تدل على وجود أي صلة لكم بهذه المدينة، او أي علاقة ما بين اليهودية وما تسمونه بجبل الهيكل، حتى الرقعة الجلدية التي احضرتموها، وادعيتم العثور عليها في احد الكهوف بصحراء النقب، وقلتم بان عليها كلمة "اورشليم" علماء أثاركم أثبتوا انها مزورة.
نحن نعرف جيداً بأنه في هذا العالم الظالم، لا سماع لصرخة المظلوم، ولا دعم للحق الذي لا تقف خلفه قوة، رغم عدالة هذا الحق، فهذا العالم لا تحكم الكثير من دِوله قيم الحق والعدالة والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وإحترام قوانين وقرارات الشرعية الدولية، بل تحكمها مصالحها واهدافها، والإنتقائية والإزدواجية في تطبيق تلك المعايير والقيم، ولذلك نجد امريكا والقوى الإستعمار الغربي، هي من تقدم الحماية والرعاية لهذا الاحتلال غير الشرعي، وتشكل له مظلة وسياج في المؤسسات الدولية، ضد أية قرارات او عقوبات قد تتخذ او تفرض عليه، لخرقه السافر والوقح لكل القوانين والتشريعات الدولية، وعدم إلتزامه بأي من اتفاقياتها.
بعد خمسين عاماً من احتلال القدس ومحاولة قتل روح الأمل عند شعبنا الفلسطيني عامة واهلنا في مدينة القدس خاصة، كنا نتطلع ان تعمل الإدارة الأمريكية على إنهاء معاناة شعبنا وأبناء مدينتنا المقدسة، وخاصة بان هناك من العرب والفلسطينيون، من نمت لديهم الكثير من الأوهام، بأن هذه الإدارة الأمريكية تختلف عن الإدارات الأمريكية السابقة، وبانها ستعمل على حل للقضية الفلسطينية، حل يلبي الحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني في قيام دولته المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، وظل ما يسمى بالمحور العربي السني المتلفع بالعباءة الأمريكية والمراهن على مواقفها، يُصدع رؤوسنا بما يسمى بصفقة القرن، ولكي تأتي النتائج صادمة ومعرية لأمريكا بشكل سافر وفاضح، وكاشفة لعورة هذا النظام الرسمي العربي الذي وصل حد التغفن، حيث كانت أولى ثمرات هذه الصفقة، الإعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال، وهذا المحور العربي السني الذي يرى بأن امريكا هي الجهة الوحيدة القادرة على الحل والإعتماد عليها كوسيط "نزيه"، بدلاً من ان يفك تحالفه مع امريكا، لمسِها بمدينة القدس، تلك المدينة التي لها رمزيتها ومكانتها الدينية والتاريخية والسياسية والوطنية والتراثية والأثرية والحضارية والإنسانية، ليس مقدسياً وفلسطينياً فقط، بل عربياً وإسلامياً، وجدنا أنه كان متواطئاً مع امريكا في هذا القرار، وممارساً للضغوط على القيادتين الفلسطينية والأردنية للقبول به، وفي دورة المجلس المركزي الأخيرة، أفصح الرئيس أبو مازن عن ضغوط كبيرة مورست عليه ومغريات مادية ضخمة عرضت عليه، لكي يقبل بأن لا تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، ومن قبل أطراف عربية باتت معروفة للجميع.
أمريكا معبودة ومعشوقة بعض الحكام العرب والمسلمين المراهنين عليها كراعية للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وجدنا ان إدارتها الحالية، هي الأكثر تطرفاً والتصاقاً ودفاعاً عن اسرائيل وعدواناً على الشعب الفلسطيني، بل لا نجافي الحقيقة اذا ما قلنا، انها تريد ان تثبت انها الأكثر وفاءً لما يسمى بالآباء المؤسسين للحركة الصهيونية، من الحكومة الإسرائيلية نفسها.
الإحتلال يعتقد انه بعد قرار ترامب، أصبح الطريق سالكاً نحو السيطرة النهائية على مدينة القدس وتهويدها بشكل نهائي، ولذلك نجد بأن القدس أمام عدوان اسرائيلي شامل، استيطان بعشرات الألآف من الوحدات الإستيطانية، وضم وتوسيع مساحة القدس، لكي تصبح 10% من مساحة الضفة الغربية، وبما يضم لها الكتل الإستيطانية الكبرى، من جنوب غربها وحتى شرقها، وبما يضخ إليها 150 ألف مستوطن، ويخرج منها اكثر من 100 ألف فلسطيني مقدسي، موجودين خارج جدار الفصل العنصري، وبما يقلب واقعها الديمغرافي كلياً لصالح المستوطنين، وبما يعزل المدينة بشكل نهائي عن محيطها الجغرافي والديمغرافي الفلسطيني.
وحتى يسمع العالم صرخة القدس، ويشعر بأن قضية القدس خط أحمر لا يمكن تجاوزه لأكثر من مليار ونصف مليار مسلم، وبانهم موجودين حقيقة في أرض الواقع لا غثاء سيل وفقاقيع هوائية، فإن ما تحتاجه القدس ليس مؤتمرات متلاحقة في القاهرة وإسطنبول وعمان وطهران وبيروت والقاهرة مرة أخرى، يصدر عنها بيانات شجب واستنكار وإنشاء مكرر ولغو فارغ وإسطوانات مشروخة وتهديدات وعنتريات فارغة وجوفاء وتتوالى على منصاتها خطابات حماسية وعاطفية أمام وسائل الإعلام، يختفي أثرها مع انتهاء المؤتمر، دون أي ترجمة عملية للقرارات التي تصدر.
القدس يا أشقاءنا العرب والمسلمين، إن بقي هناك أشقاء حقيقيون، في هذه المرحلة الحاسمة، ولما لقرار ترامب من تداعيات خطيرة على قدسنا وقضيتنا الفلسطينية، ول ما تحتاجه زيت يسرج قناديلها، والتي أصبحت أنوارها مطفأة...القدس تحتاج منكم لخطوات عملية وجريئة ، تحتاج لدعمكم المادي من اجل تعزيز صمودها وبقاء أهلها فوق أرضهم وفي قدسهم، تحتاج منكم ليس فقط لفتاوي وقرارات ...إدعموا صمود المقدسيين بدولار واحد لكل فرد عربي ومسلم شهرياً، ليس أكثر، إعملوا على شراء بضائع ومنتوجات المقدسيين وتسويقها، طالبوا دولكم وحكامكم بأن لا يطبعوا علاقاتهم مع دولة الاحتلال على حساب قدسنا وقضيتنا وحقوقنا ...طالبوا دولكم بأن تتعامل مع أمريكا بلغة المصالح، فأمريكا عندما تشعر بأن مصالحها وتجارتها وأسواقها في العالم العربي والإسلامي في خطر، تدرك بأن هؤلاء العرب قد تغيروا وبأنه نفذ صبرهم وطفح كيلهم، وبأن مشاركتها لإسرائيل لعدوانها على شعبنا الفلسطيني، ستكون كلفتها غالية وعالية، وحينها ستجبر أمريكا على التراجع عن قراراتها.