فيصل أبو خضرا - النجاح الإخباري - من العجائب التي رأيناها الأسبوع الماضي من فصيلين نعتبرهما من أهم الفصائل التي تحظى بشعبية فلسطينية هي غيابهما عن اجتماع المجلس المركزي لأسباب غير مقنعة فلسطينياً. فالرئيس محمود عباس يقف لوحده متحدياً اسرائيل وأميركا والتي تعتبر نفسها "الوسيط النزيه" لعملية السلام في أصعب مرحلة من مراحل الصراع العربي الاسرائيلي.
وكان من المفروض ان تلتف حوله جميع الفصائل مهما كانت الخلافات العقائدية أو السياسية، داعمة له في هذا الصراع غير المتكافىء أي صراع القوي عسكرياً ومالياً وسياسياً مدعوماً من رئيس أميركي خذل القيم الأخلاقية والقرارات الدولية التي وقعت عليها أميركا، في مواجهة الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية بسبب اصرارها على الحقوق الثابتة والمشروعة لشعبنا في التحرر من هذا الإحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.
مع الأسف أخطأ الفصيلان، "حماس" و "الجهاد الإسلامي" في موقفهما هذا مهما كانت الأسباب .
لا بد من استذكار ما حل لشعبنا بعد النكبة من خيبة أمل، والتي كان من أسبابها عدم قدرة العرب الذين وعدوا الشعب الفلسطيني بأن مغادرته لوطنه ولاملاكه وبيوته ما هي الا عدة أسابيع ، ومن ثم اكتشف الشعب الفلسطيني بأن خروجه القسري من بلاده لن يكون فقط لأسابيع ولكن لسنوات ومن ثم لعقود.
ولكن هزيمة العرب في العام 1967م جعلت شعبنا يؤمن بأن عودته الى بلاده لن تتم الا بسواعد أبناء هذا الشعب الذين ضربوا أروع البطولات في معركة الكرامة وما تلاها مما أرجع التوازن الى صفوف الشعب الفلسطيني في الخارج وفي الداخل المحتل.
وعندما قبل الرئيس الرمز الراحل ياسر عرفات بالقرار 242 بعد ملحمة الصمود الأسطوري في لبنان ثم الانتفاضة التاريخية للشعب الفلسطيني عام 1987 ليس لأنه كما قال البعض بالعامية "لقد باع القضية"، بالقطع لا، وإنما لأننا نجابه عدوين ذوي حنكة سياسية مدعومة بالتفوق العسكري. لذلك لا بد من حنكة سياسية تجعل من قضيتنا الرقم الأصعب في جدول الأعمال الدولي والسلم العالمي. نعم السلم العالمي، لأن القضية الفلسطينية ليست فقط قضية شعب طرد من أرضه ولكن أيضا قضية دينية وتاريخية وأخلاقية وسياسية بامتياز.
فصيلا "حماس" و"الجهاد" مع الأسف ما زال يعتقدان وكأنهما يستطيعان بين عشية وضحاها قلب الطاولة على أميركا والمحتل وإستعادة فلسطين من النهر الى البحر، وسط اختلال الميزان العربي والتغيرات الهائلة عربياً وإقليمياً ودولياً
عند وجوب استعمال السلاح ،كان هنالك سلاح استعمل ومقاومة شاملة حتى وصل الأمر الى المفاوضات، واذا استنفدت المفاوضات مثلما هو حاصل الآن علينا الاجتماع جميعاً لنقرر ما هي البدائل وهي كثيرة. أما الإنطواء أو الابتعاد أو وضع شروط قبل هذه الاجتماعات فهو بمثابة وضع العربة قبل الحصان. ثم لماذا طرح طلب أن يكون الاجتماع خارج الوطن اذا كنا نستطيع الاجتماع داخل الوطن؟ صحيح القول بأن المحتل لا يمكن أن يسمح بدخول بعض رجال حماس أو الجهاد ولكن أيضاً الصحيح بأن في الضفة وفي رام الله الكثير من الأعضاء والقيادات، ينتمون الى هذين الفصيلين، ومن الممكن للقيادة في غزة التواصل معهم وتقديم توصياتهم أو الإقتراحات التي يريدونها ، مع العلم بأن أكثر المواضيع الملحة كان يمكن النقاش والتفاهم حولها مع «فتح» قبل هذا الاجتماع، حتى ننقل رسالة واضحة للاحتلال وأميركا بأننا وحتى إن لم يتم إنهاء الانقسام إلا أننا متفقون على جميع البنود المهمة في هذا الاجتماع وفي مقدمتها قضية القدس.
وحتى لو تم الاجتماع في الخارج فإن من الممكن جدا بأن تمارس على كافة الفصائل ضغوط مختلفة، ويا ليتكم سارعتم في إنهاء الانقسام لكان من الممكن جدا بأن يكون اجتماع هذا المجلس في غزة هاشم. ولذلك نؤكد مجدداً ان المطلوب هو إنهاء هذا الانقسام ليكون اجتماع المجلس الوطني القادم في غزة، ومن الممكن أن تكون إحدى نقاط التفاهم لانهاء الانقسام أن تعقد الاجتماعات المقبلة بالتساوي أي واحدة في الضفة وآخر في غزة.
الشعب الفلسطيني ذاق الأمرين من وعود عربية لم تتحقق ومن ثم من وعود بعض زعمائه الذين لغاية الان لا يعون خطورة استمرار الانقسام وخطورة أن لا نلتف حول منظمة التحرير، الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، لدعم الشرعية الفلسطينية أو الإتفاق مع الشرعية لتصويب مسارنا السياسي، ولدعم الرئيس محمود عباس، وهو أول زعيم عربي قال لأميركا لا بوضوح ومن ثم لا وبدون أي غطاء سياسي أو عسكري ،باستثناء الدعم المعنوي للغالبية الساحقة من شعوب ودول العالم التي تقف مع فلسطين.
أما الشروط المسبقة تلك التي طرحتها حماس والجهاد فهي لا تنسجم مع الديمقراطية، التي نفاخر بها كشعب فلسطيني. نحن صدقنا السيد يحيى السنوار وتصريحات قيادات فتح وحماس بشأن المصالحة لنجابه جميعا قرار ترامب الجائر بجعل القدس الشريف تحت سيطرة المحتل وعاصمة له. فهل قرار مقاطعة المجلس المركزي هو الرد الحكيم على الرئيس محمود عباس الذي تحدى اميركا والمحتل، والذي يقف لوحده غير عابىء بكل التهديدات والضغوط متمسكاً بحقوق شعبنا المشروعة؟ وهل المقاطعة هي الرد على ما عبرت عنه السياسة الأميركية والزعامة الاسرائيلية؟.
وفي كل الاحوال يدرك الرئيس محمود عباس تماماً ان شعبنا بأسره يقف الى جانبه في الإصرار على حقوقنا المشروعة وفي رفض كل الخطط الاميركية والاسرائيلية التي تستهدف تصفية قضيتنا.
من الطبيعي أن لا تتوافق جميع الفصائل على رأي واحد، وهو أمر بديهي لدى كل الشعوب المؤمنة بالديمقراطية، وهذا ما يجعل الشعب الفلسطيني يعشق الديمقراطية، أما أسلوب المقاطعة والرفض ووضع الشروط المسبقة بعيداً عن الديمقراطية فهو ليس في مستوى مواجهة إعلان ترامب بل يصب للأسف لصالح إضعاف ساحتنا الفلسطينية وضد تطلعات شعبنا الفلسطيني ، وليس من الحكمة استخدام مثل هذا الأسلوب أمام أي اجتماع مصيري في هذه الفترة الحرجة من نضال الشعب الفلسطيني، كما أن هذا يتناقض مع إرادة الشعب الفلسطيني التي عبرت بوضوح عن ضرورة إنهاء الانقسام والتفرغ لمواجهة التحديات الحقيقية.
والمفارقة ان يقال أننا ضد الانقسام فيما يتكرس هذا الانقسام أو ان تطرح شعارات مثل الانتفاضة المسلحة وكأن الشعب الفلسطيني لديه إمكانيات السلاح، والذي جربناه في الانتفاضة الثانية وتداعياته على الشعب الفلسطيني.
يجب أن يدرك الجميع أنه بسبب أوسلو تكرس وجود القيادة والفصائل على أرضنا وقيادة شعبنا من فلسطين بدلا من الخارج. كما ان مشاركة حماس في آخر انتخابات تشريعية والفوز بالاكثرية كان في إطار اتفاق اوسلو وإصرار الرئيس محمود عباس على رفض كل الضغوط الاميركية والاسرائيلية لمنع مشاركة "حماس" في تلك الانتخابات.
إن الأمور لا تعالج بالرفض والمقاطعة لما لذلك من تداعيات سلبية على وحدتنا الوطنية وقضيتنا المقدسة ، فهذه الوحدة هي الدرع الواقي في مواجهة الاحتلال. وهذا ما ذكره نتنياهو لليبرمان منذ ثلاث سنوات عندما اختار الرئيس محمود عباس انهاء الانقسام وعدم الاجتماع مع نتنياهو، إذ قال نتنياهو بأن الرئيس الفلسطيني اختار «حماس» بدلا من الاتفاق مع الاحتلال وكان جواب ليبرمان لنتنياهو بأن لا يخاف لأن اتفاق فتح وحماس لن يتم.
لقد فرح الشعب الفلسطيني بأن فتح وحماس سينهيان الإنقسام وخصوصا بأن السيد يحيى السنوار قطع عهداً أبدياً بأنه سيذلل جميع العقبات لإنهاء الانقسام، وهو لا يعلم بأن البعض له أجندات إقليمية خاصة. لذلك نحن الآن بعيدون جداً عن أي مصالحة تجعل أهلنا في غزة يتنفسون بعض حريتهم، وتجعل جبهتنا الفلسطينية أقوى بوحدتها.
السلطة الشرعية بقيادة الرئيس محمود عباس استطاعت هزيمة امريكا في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وكان من الأجدر الإلتفاف حوله في هذه المواجهة المصيرية.
ونذكر الجميع بما في ذلك «حماس» والجهاد أن الرئيس قال حرفياً أن إتفاق اوسلو إنتهى وأكثر من ذلك قطع العلاقات مع أميركا واسرائيل كما طالب بالانتفاضة الشعبية السلمية، وحدد الثوابت وهي فلسطين على حدود ١٩٦٧ والقدس عاصمتها، وعودة اللاجئين وإطلاق سراح الأسرى.
كما أن قرارات المجلس المركزي كانت أبعد من المتوقع وخصوصاً تجميد الاعتراف باسرائيل، وهو موقف أعتقد أنه يجب دراسته مع كثير من الدول المؤيدة لحقوقنا الوطنية التي تعترف بنا كدولة مستقلة تحت الاحتلال خصوصاً الدول الأوروبية، لأن اسرائيل قد تسحب إعترافها أيضاً بمنظمة التحرير، ولذلك يجب على منظمة التحرير دراسة هذا الطلب دراسة وافية من جميع الجوانب السياسية والمادية والقانونية وذلك لضمان الحفاظ على مكتسباتنا وانجازاتنا.
ونشير هنا الى أنه مع الأسف لغاية يومنا هذا ما زال البعض يعتقد بأننا من الممكن أن نأخذ قرارات بدون رد فعل عالمي وحتى من أقرب أصدقائنا المقربين مثل فرنسا، ويتجاهلون ان الكثير من دول العالم تدعم حقنا في إقامة دولة مستقلة الى جانب اسرائيل في إطار إتفاق سلام وفي إطار المضي قدماً باتفاقيات اوسلو.
وهنا يجب أن نذكر أن عدونا الأول والذي ما زال له نفوذ قوي جداً، وهو اللوبي الصهيوني المسيطر على مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأميركي، ولا يستطيع أي رئيس أمريكي أن يتخذ قراراً مصيرياً بدون موافقته، وهذا لا يعني الخضوع لمثل هذه القرارات، بل المطلوب هو الحكمة في مواجهتها في إطار موقف فلسطيني يستند الى وحدة وطنية راسخة.
ونحمد الله تعالى بأن الرئيس محمود عباس لديه من الدراية السياسية ومعرفة الواقع العالمي بحيث لا يمكن أن يتخذ أي قرار ينتقص من مكتسباتنا الكثيرة التي حققناها بعد نكبة عام ١٩٤٨ ونكبة عام ١٩٦٧ لغاية اليوم.
نحن نأسف اليوم على تداعيات الرفض والمقاطعة على قضيتنا ونأسف لغياب الوحدة الوطنية الشاملة وهو ما لا يخدم مصلحة القضية الفلسطينية بل مصلحة أجندات اخرى بعيدة كل البعد عن مصلحة قضيتنا المقدسة. وهذا ما يجعلنا نحزن على أهلنا في القطاع الذين يعانون الأمرين من سلبيات إستمرار هذا الوضع القائم.
وإذا عدنا لجميع القرارات بما فيها خطاب الرئيس، على أهميتها فإن أبرزها القرار الذي إتخذ من قبل الرئيس ومن قبل المجلس المركزي وهو إحتضان الثورة الشعبية غير المسلحة بجميع الوسائل المادية والمعنوية والإعلامية في جميع أنحاء فلسطين والعالم، وعلى الفصائل جميعها دعم هذا التوجه والمشاركة فيه، وهي التي إذا أحسنا إدارتها ستشكل عاملاً رئيسياً في إنهاء هذا الاحتلال البغيض.