موفق مطر - النجاح الإخباري - اطلقت قوى سياسية في اقطار عربية مصطلح (الثورة) على الحراك الشعبي العفوي، فباتت امام مهمة ومسؤولية أعظم بكثير من مجرد تحقيق مطالب شعبية، قد تقنع الجماهير بالعودة الى وتيرة حياتها العادية حال تحققها، لكن بما ان القوى السياسية في الأقطار العربية التي شهدت أحداثا قد حلقت على جناحي مصطلح الثورة، وتفاوتت المشاهد الاخبارية بين الصورة العنفية بحكم التصادم بين مؤسسات الحكومات الأمنية والحشود الشعبية العفوية، وبين الصورة الدموية حيث انفلت عقال العنف المسلح، وبات الذبح على اسس الانتماءات الطائفية والمذهبية والعرقية، فان الاجابة على السؤال اعلاه يفرض علينا القول: "انها في منتصف الطريق"! ولكن ما شكل هذا الطريق وما اتجاهاته حسب قانون الجاذبية، فالفارق كبير بين واقف في منتصف طريق ساحلي سهلي، وبين آخر يأخذ استراحة محارب في طريق الصعود الى الذروة.
في حالة الطريق الأولى لا يوجد عربي على هذه الطريق، وفي الحالة الأخرى لدينا الشقيقتان مصر العربية، وتونس، أما اليمن وليبيا وسوريا فان الحالة في هذه الاقطار العربية ما زالت في فوهة البركان ولم تتضح معالم الطريق الذي ستستقر عليه.
في الحالة الأولى انتصر الحوار والانتماء والوعي الوطني، وتصدى الجميع لمهمة اعدام الفرص أمام القبيلة السياسية للانتفاع او التكسب من الاقتتال في مرحلة الاستحواذ على السلطة، وتحجيم الفوضى الى اقل قدر ممكن، وذلك بفضل أرضية خصبة وبيئة افرزتها التجارب السابقة لجماهير المجتمع المدني، والاتحادات والأحزاب الوطنية، وهذا ما ساعد الجماهير في تونس على الوصول الى منتصف الطريق الصاعد نحو الذروة، حيث تتجسد الحريات والحقوق والواجبات والمواطنة في الدولة الديمقراطية المنشودة.
في الوجه الآخر للحالة الأولى انتصرت دولة الشعب على (دولة الجماعة) والحزب، وانتصرت الجذور الحضارية على الطفيليات الدخيلة السامة، وتجسد مبدأ الوطن للجميع، وأطفأ فيض الثقافة العربية الانسانية نار المفاهيم والتعاميم المشبعة باشعاعات سامة مدمرة، عملت دولة (جماعة الاخوان) على تحميلها على المصطلحات الدينية المقدسة لدى المسلمين لتسهيل عملية اختراق هرم مصر الحصين وتدميره من الداخل، لكن الجيش اختار الانحياز الى الثورة الفتية، واستجاب لنداء المصرين، فكان لهم امنا وسلاما، واسقط بذلك مخطط توريطه واسقاطه في بحر دماء الشعب، فسقط مشروع (اخونة مصر) وسقط خائنوها ايضا.
كلنا يدرك مدى توق الجماهير العربية لتطبيق الديمقراطية، ولكن هل كان يكفي تحرير الجماهير العربية من عقدة الخوف، واغراق الشارع بصور التعبير عن الراي بحرية، وتشكيل لوحات فسيفساء سياسية في البرلمانات، واغراق السوق بوسائل اعلام خاصة وحزبية، هل يكفي هذا لتوصيف ما حدث بالثورة؟!...وهل اوصلت القوى السياسية جماهيرها الى ادراك وفهم معنى المواطنة، وضربت أمثلة عملية على ذلك ؟!...
نعتقد ان الوصول الى مرحلة تكريس ايمان الفرد بالمواطنة كعقيدة سياسية تحتاج الى تغيير جذري، اي (ثورة)، تقدم لنا وبالتدريج مواطنا قادرا على تحمل المسؤولية الشخصية في عملية البناء الوطني، يدرك حقوقه وواجباته وحريته، مواطن يؤمن بالدولة العادلة باعتبارها الخلاص، وأنه جزء اصيل من ماكينة الخلاص هذه، لايردعه عن التقدم للمساهمة في عملية البناء والارتقاء بالوطن أي ترهيب، ومن اي مصدر كان، سواء كان منبعه العشيرة السياسية (الحزب) أو القبيلة الدينية (الجماعة) ..فتحقيق الكرامة والعدل والمساواة والحرية يتطلب المبادرة التي تتطلب ابداعات وانجازات غير مسبوقة.
نحتاج الى تغيير جذري مواز يقدم لنا المواطن العربي وقد بات مقتنعا ان المشروع الصهيوني خطر على وجوده وحاضره ومستقبله، ولن يقف عند حدود فلسطين، وانه ليس العمق الاستراتيجي للشعب الفلسطيني حركة التحرر الوطنية الفلسطينية وحسب، بل يكون مؤمنا أنه شريك في الصراع، وأنه في موقع متقدم، وأن أصحاب المشروع الاستعماري الصهيوني لن يكفوا عن استخدام ما يملكون من قدرات لاخضاعه، في سياق السيطرة على العالم، فكيف ونحن نتحدث عن منطقة حضارية، تنعم بالثروات والممرات الاستراتيجية، وتشكل ملتقى العالم.
عندما يصل المواطن العربي الى قناعة بأنه واحد من امة الانسانية، هو حر بمعيار سواد الحرية في شعوبها، وانه ذو قيمة أعظم كلما احترم قيم وثقافات الآخرين، وأن الانسانية كنوز ثقافية، فيها يجد الانسان مفاتيح السلام، والمستقبل، عندها يحق لنا ان نسميها ثورات.