منال الزعبي - النجاح الإخباري - طرحت جسدها المنهك من أعباء البيت على سريرها وتناولت هاتفها  الذي لم يتوقف عن رنين الرسائل،
إنّها مقاطع السناب شات من صديقتها التي  سافرت "شهر عسل" إلى تركيا، صورت فيها مناظر الجبال التي يكسوها الجليد ومنظر الطبيعة الخلابة التي تطلّ عليها نافذة غرفتها في الفندق وضحكاتها هي وزوجها، في كل مكان يحلّون فيه، أخذ قلبها يعتصر ألماً وهي تردد بينها وبين نفسها في مونولوج داخلي حارق: "نيالها! والله ما راحت إلا عليّ، آخ ع حظي"
ثمَّ استدركت: "الله يسعدها ويهنيها".
جولة في الانستغرام، صور أختها الصغرى احتفالات وهدايا ورحلات وسعادة غامرة، تمتعض ويجتاحها سوء الحظ وتساؤل "ليش كل الناس مبسوطين إلا أنا؟". 
قامت رغم إرهاقها، نظرت في المرآة متحسرة على شبابها الضائع، هي التي لم تستمتع في بحياة مرّت بوتيرة متسارعة.
انتابها الهم والغم، وشعرت بثقل في صدرها، عادت إلى السرير عّلها تغفو، ولاشعوريًّا امتدت يدها إلى الهاتف مجددًا.. فتحت الفيس بوك، صور عيد ميلاد جارتها، وجمعات في بيت أخرى وهي وحيدة منطوية مدفونة بين أعباء المنزل ونكد الفقر.
وأخذت تقلِّب من حساب إلى حساب وقلبها كلُّه حسرات على ما ينقصها مزدرية نعمة الله عليها غافلة عمَّا تتمتع به مماهو خير مما عند غيرها .
غادرت سريرها متّجهة للمطبخ لابد أن تحضر الغداء فزوجها على وصول، فتحت باب الثلاجة لتتبادر إلى ذهنها صور المأكولات التي رأتها في صور قريباتها وصديقاتها ومن تعرف ومن لا تعرف، تنغصت ثمَّ تناولت ضمّة السبانخ لتطهوها بضيق، عاد الزوج منهكًا تعبًا يكتنفه الأرهاق، لم تستقبله كالعادة وغابت ابتسامتها ما زاد عناءه، سألها متبرّمًا: " خير مالك شو في؟"، أجابته بعصبية: "ولاشي  عشو أنبسط؟"
فهم أنّها بوادر عراك لا طاقة له به، تجنبها داخًلا الحمام ليغسل تعبه، سمع تبرُّمها الذي تردده بينها وبين نفسها، "عيشة من قّة الموت، هو أنا أصبحت فلانة"، خرج دون أن يتفوّه بكلمة تناول ملابسه على عجل ثمَّ سألها: "شو عنا أكل؟"
هنا أخذت تستعرض ما اختزن عقلها من صور الفيس بوك: " مشاوي ومحمّر ومشمّر وسلطات وريَش، ما لذ وطاب يا قلبي"، استفزه جوابها، فردّ فاهمًا ما ترمي إليه: "بتتمسخري، والا بتعيريني بفقري؟"، خجلت من نفسها وهي تعرف أنّه يبذل كل ما في وسعه لأجلها، اعتذرت ولكن فات الأوان، فقد أعرض عنها وعن أكلها، وتظاهر بالنوم بينما تخنقه الغصة، وسادت أجواء النكد المنزل، وغلفته الكآبة، أخذت تلوم نفسها، وتشعر بتأنيب الضمير، أرادت أن تصلّح موقفها، ذهبت إليه معتذرة فصدّها ليدور بينهما جدل مقيت فتح الشيطان فيه كل أبواب الشر، ولعب في أعصابهما حتى فقدا السيطرة، لملمت نفسها وسط الدموع والقهر وخرجت قاصدة منزل أهلها.
دخلت بيتهم ذليلة حزينة وأثار دخولها هذا شجنهم، ولما حدّثتهم بما حصل بينها وبين زوجها دون أن تعرّج على الدافع وراء هذه المشاحنات، عرف الوالد بحكمته أنّها تخفي في نفسها أمرًا، في الحين الذي بدأت فيه أمها النق على "الحظ والنصيب وعلى البنات والي بخلفوهن"، أسكتها الأب بلطف، وقال لابنته: " تعالي يابا عاوزك شوي"، خرجت معه وركبا سيارته المتواضعة، ساد الصمت حتى تجاوزا حدود القرية، ثمَّ قال لها: "هاتِ لشوف شو الي صار، صرلك سنين متزوجة، وزوجك رجل طيب وابن أصول، بعمره ما هانك"، هنا انفلتت بالبكاء وانهارت أمام والدها، وروت له ما في نفسها من غيرة وسوء حال بسبب ما تراه على مواقع التواصل الاجتماعي.
احتواها الأب وقال لها كلمات تكتب بماء الذهب: "بنت الأصول ما بتطَّلع برّة يابنتي، الرضى من أسباب السعادة، كل الي شفتيه مظاهر خدّاعة نابعة من نقص لأنّه لو كان أصحابها مبسوطين فعًلا لشغلتهم سعادتهم عن المباهاة، يا بنتي الحياة مليانة أقنعة، تأكدي إنّه السعادة ما إلها ثمن بتعرفي ليش؟ لإنها نابعة من جواتنا وإحنا الي بنميها، بتعرفي إنّه ربنا رد عليكِ بالقرآن؟"، استغربت الفتاة وتسمّرت في مكانها فباغتها الأب بتلاوة: "
) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) صدق الله العظيم.
شعرت بخجل شديد زاده سؤال والدها: "يعني ايش استفدتي لما قارنتي حياتك بحياة الناس الكذَابة؟"
وبالحال طلبت من والدها أن يعيدها لمنزلها، دخلت وكأن شيئًا لم يحدث وزوجها ما زال على حاله كئيبًا، توضأت وصلَّت ركعتين، ثمَّ غمرت زوجها بودّ، فابتسم وزال عنه كل العناء، عادت المياه لمجاريها بفضل عقلية الوالد الواعي، وتعلّمت درسًا لن تنساه "من شابه غيره حرمت عيشته عليه".
رجاءنا أن لا نتباهى في إظهار سعادتنا أمام الناس، أن لا ننشر صور المأكولات رفقًا بالجياع، ولا صور الرحلات والجولات رفقًا بالفقراء، ولا صور الأبناء والبنات رفقًا بالمحرومين، وأن نعيش اللحظة لذاتها وخصوصيتها فلا تكون بيوتنا أسواقًا مفتوحة أمام العابرين.