غيداء نجار - النجاح الإخباري - "لقد قُتل شعبي كثيراً، سنة بعد سنة، مجزرة وراء مجزرة، ولكنه دائماً يهب من الأنقاض واقفاً، وقد تعلّم كيف يمارس حريته الوحيدة، حرية اختيار الموت في سبيل الحياة" قالها محمود درويش منذ سنوات وطبقها بالأمس الشهيد إبراهيم أبو ثريا (29 عاماً) من قطاع غزة.
ومن لا يعرف أبو ثريا فسأقول لكم؛ هو رجل بقلب أسد وإنسان بقلب مؤمن ناضل وكافح وصبر بكل ما أوتي من أمل بأن النصر قريب.. رجلٌ التمس قضيته وتبناها حتى النهاية ليكون لها الحامي والحارس.
وفي تاريخ 11نيسان\2004 خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تعرض البطل للقصف ما أدى لبتر ساقيه، رغماً عن ذلك لم يستسلم، فتقدم هو وكرسيه فداءً للوطن، فكان كرسيه خلال 13 عاماً مضت منبراً ليعلن حق شعبه وأرضه، نعم هو بنصف جسد ولكنه قاتل بعزيمة وقوة أمة.
زحف أبو ثريا أمس، بيوم "جمعة غضب" إلى خطوط التماس مع قوات الاحتلال، في المواجهات التي اندلعت شرق مدينة غزّة، وأصر على أن يرفع علم شعبه على السياج الفاصل ليرفرف عالياً؛ ومن خلاله يبعث برسالته للجنود "هذه الأرض أرضنا، ولن نستسلم"، لم يكن يعلم أن زحفه نحو الحدود وهو يهتف بكل عزيمة وقوة للقدس ولفلسطين سوف يرعبهم، فقد قالها قبل استشهاده بيوم "انا لا اهاب ولا اخاف الاحتلال"، ولكن هم خافوا زحفه وإرادته فاخترقت رأسه رصاصة قناص إسرائيلي، وضعت حداً لأخر عضو بقي حياً في جسده، وهي لم تخرقه فقط بل خرقت قلوبنا معها وكل معالم الإنسانية.
لن أعمم وأقول الجميع كي لا أظلم أحداً، ولكن "البعض" في وطني عندما يسجن أو يصاب يبدأ شعاره "امشي الحيط الحيط وأقول يارب الستر"، بينما أبو ثريا عندما بترت قدماه ازداد قوة وإصرار بأن هذه الأرض حقه وحق شعبه الضائع، ففي كل مواجهة أو مظاهرة كان هو بالمقدمة يطلق الشعارات والهتافات متيقناً أن النصر لقريب.
هو لم يكن رسولاً أو ملاكاً ولا حتى سوبر مان أو رجلاً حديدياً.. لكي نقول أن هذه حجة صموده وبقاءه بتلك العزيمة، بل هو مثلنا خلق من طين ويأكل ويشرب ويسكن مثلنا نحن أو أقل، وقال البعض أنه حظه تعيس لفقره وإصابته، فهو كان يكسب رزقه بمسح السيارات وبيع الخضروات في السوق، ولكن أقول أنه "حظ يفلق الصخر" فهو شهيد عند خالقه.
قرأت على أحد المواقع الإلكترونية أنه كانت لأبي ثريا أمنية الزواج وأن يجد من تقبل به وبعجزه كزوجٍ لها، وبالأمس قد تحققت أمنيته وهو الآن عريس لحور عين في الجنة.
ياااا للحظ.. جمعتهم الدنيا والآخرة أيضاً، فصديق أبو ثريا "ياسر سكر" قد استشهد بنفس اليوم، وكأن قلبهما رفضت الفراق وأعلنت الاتحاد للتضحية من أجل هذا الوطن.
قالها جمال عبد الناصر "ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، وبصم عليها أبو ثريا بالعشرة.