د. مؤيد كمال الحطاب - النجاح الإخباري - لم يجروء احد من زعماء الولايات المتحده، كما اعلن ترامب نفسه، باقرار نقل السفارة الامريكية الى اسرائيل ناهيك عن اعلان القدس عاصمة موحدة وابديه لاسرائيل. ولا يخفى على احد الاثر المترتب على هكذا اعلان من ناحية منح حق غير شرعي ومخالف للقانون الدولي لمن لايستحق. فهو بالاضافة الى كونه مخالف لجميع القرارات والمواثيق الدولية، فهو في الواقع يعني اطلاق رصاصة الرحمة على مشروع السلام المحتضر، وينهي الدور الامريكي بشكل صريح كراعية لمفواضات السلام.
في المقابل جاء اعلان ترامب الجديد، بعد سلسلة من المجريات على الساحة الفلسطينية والعربية لا يمكن اغفالها او فصلها عن ذلك الاعلان، حيث بدأت الاصوات تعلو في الاعوام الاخيرة بفكرة الدولة الواحد كخيار بديل لحل الصراع الفلسطيني، مما يعني الغاء فكرة الدولتين من الخارطة السياسة المستقبلية. كما اتى الاعلان بعد ان مارس الاحتلال توسعة خطيرة ومتزايده في استيلائه على الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لصالح المستوطنات، بل اخذت تلك الاجراءات بعدا جديد من خلال دعمها بقوانين صهوينية غير شرعية لسلب المزيد من الاراضي بشكل اسرع واضخم. اضف الى ذلك التكثيف غير المسبوق لسلسلة الاجراءات التي تستهدف تهويد مدينة القدس، كان مشروع القدس الكبرى احد معالمها، والممارسات المستمرة لتغيير الواقع الديموغرافي لفلسطين بشكل يجعل من حلم الفلسطينيين باقامة دولتهم المستقلة مستحيلا على ارض الواقع.
وقد ساهم الواقع العربي الحالي من انشغال الدول العربية بازماتها الداخلية، وحاجة ترامب الى اللوبي الصهيوني لتغطية ازمته الداخلية، الى الاسراع بهذا القرار لكونه فرصة تاريخية لصالح اسرائيل. فالتاريخ يعيد نفسه مرة اخرى بعد مرور مئة عام على وعد بلفور المشؤوم، لياتي وعد ترام الجديد ضمن معطيات وواقع عربي شبيه للحالة التي كانت تسود المنطقة منذ مئة عام. ولكن الفارق هنا ان الردور العربية والاسلامية الرسمية جاءات اليوم اضعف واوهن بكثير مما كانت عليه منذ مئة عام. ولكن ورغم كل تلك المعطيات فان التاريخ قد اثبت مرارا وتكرارا ان القدس عصية على كل الغزاة، وان القدس هي من تبقى وان المغتصب دائما الى زوال.
ومع ادراك القياده الفلسطينية لمعطيات المرحلة، وقلة الخيارات المتاحة امامها، وعدم اماكنية التعويل على قدرة الدول العربية والاسلامية برد حقيقي ضد هذا الاعلان، فانها تعي بالمقابل خطورة هذا الاعلان على مستقبل القضية الفلسطينية عموما والقدس على وجه الخصوص، وتعي اضا حجم المسؤولية الوطنية والتاريخية التي تقع على كاهلها، وانه لا يجوز لها باي حال ان تقف عاجزه عن التصدي وقلب الطاولة على اصحاب وداعمي هذا الاعلان. وبالتالي لابد لها من استغلال جميع الامكانيات المتاحة في هذه المرحلة والسعي لتحويل الوضع الراهن لصالح القضية الفلسطينية وذلك من خلال الخطوات التالية:
اولا: القاعدة الجماهرية: على الرئيس ابو مازن ان يستند الى القاعدة الجماهرية الفلسطينية خصوصا والعربية عموما في مواجهته المستقبلية لقرار ترامب، ولابد من تركيز الخطاب في هذه المرحلة بما ينسجم وحجم التحرك بل والغليان الفلسطيني والعربي الغاضب من ادارة ترامب وخطابه الصهيوني. فالقاعدة الشعبية وقيادة لحمة الصف الوطني حول قضيتهم الاولى "القدس" هي محط الانطلاف الاولى نحو اي توجه عربي او دولي قادم. كما يجب ان يتم تعزيز هذا الخطاب بخطوات عملية قوية وجريئة من اهمها الاعلان عن التوقف الفوري عن التعامل الرسمي مع الولايات المتحده، او اعتبارها طرفا في عملية السلام، الى ان تعود الادارة الامريكة عن قرارها او تحويل القرار الى اعتراف جزئي بحيث تبقى القدس الشرقية هي العاصمة لدولة فلسطين.
ثانيا: الاهتمام العربي: ضرورة استغلال عودة القضية الفلسطينية الى صداراة الاهتمام العربي والتفاف الشارع العربي والاسلامي نحو قضيتهم الاولى "القدس"، عبر خطاب متوازي وطموح الامة العربية، ومن ثم الضغط من اجل الزام الدول العربية بالقيام بواجباتها في دعم القضية الفلسطينية سياسيا وماديا وايجاد البديل عن تهديد الوالايات المتحده بقطع مساعادتها.
ثالثا: القضاء الامريكي: تشكيل فريق قانوني فلسطيني يقوم بالاتصال الفوري والمباشر مع الحقوقيين وكل الداعمين للقضية الفلسطينية المقيمين بامريكا من اجل رفع دعوى قضائية باسرع وقت امام القضاء الامريكي لابطال قرار ترامب باعتباره مخالف للقوتنين الدولية الملزمة لامريكا والدستور الامريكي.
رابعا: الحراك الدولي: التحرك نحو الامم المتحدة والجمعية العمومية والقضاء الدولي، وبالشراكة مع الدول العربية المعنية كالاردن، باعتبار ان اعلان ترامب مخالف لجميع القرارات الصادره عن الامم المتحدة والقانون الدولي، بل ومقوض للسلم والامن الدولي. كما ينبغي لهذا الحراك الدولي ان يبرز ان قرار ترامب يعتبر انتهاك للاتفاقيات والترتيبات الموقعة بين اسرائيل وكلا من الاردن وفلسطين والتي كانت الولايات المتحدة راعيا لها خصوصا تلك المتعلقة بشان واقع القدس وادارة المقدسات الاسلامية والمسيحية.
خامسا: الرأي العام الدولي: لابد من مخاطبة الرأي العام الدولي بكل الوسائل الاعلامية والفكرية والرسمية الممكنة لتوضيح مدى تاثير خطاب ترامب على الامن والسلم الدولي، وتركيز الخطاب للمواطن الغربي والرأي العام الدولي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والتصريحات الاعلمية، على ان قرار ترامب سيعطي الدعم لاعمال العنف والاراهب ويضعف القوى الساعية لاقرار السلام. ومن ثم تعزيز التواصل مع الدول الداعمة للقضية الفلسطينة واعادة ترتيب العلاقات الدولية بناء على المصلحة الوطنية والواقع الجديد.
اخيرا: مظلة وطنية جامعة : دعوة المجلس الوطني الفلسطيني لعقد جلسة طارئة، بمشاركة الفصائل جميعها بما فيها الفصائل الاسلامية، من اجل تقييم الاوضاع الراهنة ودراسة خيارات المرحلة القادمة والوقوف على الامكانيات التي لدى منظمة التحرير لاخذ زمام المبادرة وترتيبات الرد على غطرسة الادارة الامريكية الحالية ضمن مظلة وطنية جامعة ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية
كما لابد من تاكيد ما تم ذكره من قبل الرئيس ورئيس الوزراء وجميع القوى والفصال الفلسطينية من ضرور الاسراع في عملية المصالحة وعودة الوحدة الفلسطينة كرد اساسي واولي لمواجهة اعلان "ترامفور" الجديد. فالمصالحة وخصوصا في هذه المرحلة لم تعد مطلبا يهم المواطن الفلسطيني فحسب بل هي مطلب وطني يعكس واقع القضية الفلسطينة ومستقبلها.