راسم عبيدات - النجاح الإخباري - منذ إعلان الإستقلال في الجزائر، قبل 29 عاماً، جرت في النهر الفلسطيني مياه كثيرة، حيث غادرنا معظم قادة وعمالقة النضال الوطني الفلسطيني، والذين كانوا شهوداً على اعلان الإستقلال القادة الكبار"أبو عمار" وحكيم الثورة ، جورج حبش والشيخ أحمد ياسين والشقاقي وطلعت يعقوب وأبو العباس وأبو إياد وأبو على مصطفى وغيرهم، قبلهم أبو جهاد وعدد كبير من القادة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة لم يتحقق الإستقلال الفلسطيني، بالمعنى الفعلي على الأرض، وبقيت المسافة كبيرة بين الإستقلال النظري والإستقلال الفعلي، ولم نستطع أن ننقل الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية الى الإمكانية الواقعية، وخاض شعبنا الفلسطيني على مذبح الحرية والإستقلال العديد من الإنتفاضات والهبات الشعبية المتواصلة حتى يومنا هذا، وكما تعرض شعبنا وأهلنا في القطاع لأكثر من عدوان بغرض كسر إرادته وتطويع مقاومته والقضاء على حلمه بالحرية والإستقلال، وتفكيك ودثر قضيته.
ما وصلنا اليه أسوأ مما كنا عليه، قبل تسعة وعشرين عاماً، حيث ولجنا دهاليز المشاريع السياسية والإتفاقيات الإنتقالية، اتفاقية اوسلو وملاحقها، معتقدين بأنها ستقود الى دولة فلسطينية مستقلة. هذه الوهم والخيار، كان يُعتقد بأنه، سيقربنا مسافات كبيرة من تحقيق حلمنا في الحرية والإستقلال والدولة المستقلة، ولكن ما وصلنا اليه بعد تسعة وعشرين عاماً، لخصه الرئيس محمود عباس أمام الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة ب " سلطة بدون سلطة"، سلطة مكبلة بالكثير من القيود والعوائق.
وفي القطاع رغم وجود سلطة هناك تحظى بنوع من السيادة على الأرض، ولكن لا بر ولا جو ولا بحر تحت سيطرتنا وسيادتنا، والحصار جاثم على صدور شعبنا هناك، ومعدلات الفقر والبطالة فلكية، ناهيك عن الصعوبات الكبيرة في الجوانب المعيشية والحياتية والخدماتية والطبية.
اليوم الحالة العربية في أسوأ مراحلها ودرجات انحطاطها، حروب مذهبية وطائفية، حروب تدمير ذاتي، وإنشغالات وهموم قطرية، بل والأسوأ من ذلك، ان العديد إن لم يكن أغلب البلدان العربية، تعمل على "تظهير" علاقاتها مع دولة الإحتلال، ونقلها من الجانب السري الى العلني، وحتى التحالف معها، ومشاركتها الضغط على شعبنا الفلسطيني وقيادتنا للقبول بحلول تنتقص من حقنا في دولة مستقلة عاصمتها القدس، وضمان حق العودة للاجئي شعبنا وفق القرار الأممي 194 .
وعلى صعيدنا الذاتي بعد عشرة اعوام ونيف من الإنقسام المدمر الذي عصف بنا، وجلب لنا الكثير من الويلات والمصائب والضعف، ما زلنا نتلمس طريقنا نحو إستعادة وحدتنا، ولذلك في محادثات القاهرة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، بين الكل الفلسطيني، علينا أن نغادر خانة الإنقسام الى الأبد، وخصوصاً انه لا رابح من استمراره، بل ان الجميع ينزف وخاسر، والعودة الى المربع الأول من الفشل المتكرر، سيكون له تداعيات خطيرة على شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني، ولذلك محظور علينا هذه المرة ان نفشل، رغم ان الطريق ليست سهلة نحو تحقيق المصالحة، فالمحتل والقوى المستفيدة من إستمرار الإنقسام تتربص بنا وتدفع نحو تعمق هذا الإنقسام وبقاءه، فالمحتل قصف نفق المصالحة، لكي ينهي هذه المصالحة، ويجري مناورته العسكرية وينصب قببه الحديدية ويهدد ويتوعد، والهدف وأد المصالحة.
حتى اللحظة، يمكننا القول بأن صمود شعبنا وبقاءه، هو شكل من أشكال الصمود والمقاومة، فالمحتل يستشعر الخطر على وجوده، من خلال العامل الديمغرافي، ولذلك هو يعمل ليل نهار للتخلص من هاجس الديمغرافيا، ففي القدس التي تتعرض لأبشع مشروع تطهير عرقي، تطرح الكثير من المشاريع والمخططات للتخلص من الوجود العربي الفلسطيني فيها.. مشاريع ومخططات أملتها هبات القدس المتلاحقة، ودقت جرس الإنذار أمام صناع القرار الإسرائيلي.. هبة باب الإسباط، وما حققه المقدسيون من إنتصار في معركة البوابات الالكترونية والكاميرات الذكية على بوابات الأقصى وجوانبه وأسواره .
كل الخطط والمشاريع المطروحة عنوانها الإنفصال والتطهير العرقي وقلب الواقع الديمغرافي في المدينة لصالح المستوطنين، للحفاظ على أغلبية يهودية في مدينة يعتبر المحتل حسب زعمه انها عاصمته الأبدية، ولم يكتف بمشاريع الإنفصال، بل يعمل على زيادة مساحة القدس لكي تصبح 10% من مساحة الضفة الغربية، بضم الكتل الإستيطانية جنوب غرب المدينة وشرقها الى سلطة بلدية القدس، وبما يضخ 150 ألف مستوطن للقدس ويخرج اكثر من 100 ألف فلسطيني مقدسي من حدود بلديتها.
والوضع في الضفة الغربية لا يختلف كثيراً عن القدس، حيث المحتل يعمل على خلق دولة للمستوطنين فيها، برفع أعدادهم من 650ألف مستوطن الى مليون مستوطن، مع تقطيع أوصال الضفة وعزل شمالها عن جنوبها، ووسطها عن شمالها وجنوبها، لمنع أية إمكانية لبقاء خيار حل الدولتين قائماً. وما يمارس من تطهير عرقي وتهويد بحق القدس والضفة الغربية، يمارس بحق شعبنا وأهلنا في الداخل الفلسطيني- 48 -، حيث خطر هدم عشرات الاف المنازل بذريعة عدم الترخيص، وهدم قرى بكاملها في إطار ما يسمى بمشروع "برافر" لتهويد النقب، حيث هدمت قرية العراقيب للمرة العشرين بعد المئة، وكذلك هدمت قرية أم الحيران، وشبح الهدم والتشريد يطال أكثر من أربعين قرية فلسطينية في النقب موجودة قبل وجود الإحتلال، ما يعرف بالقرى غير المعترف بها.
منذ إعلان الإستقلال وحتى اليوم والحرب والصراع والإشتباك الإنتفاضي مع المحتل مستمر وقائم وجوهره الأرض.. الأرض التي احتلها عدونا وطرد وشرد أكثر من نصف شعبنا منها، لكي يعيش نصف هذا الشعب في مخيمات لجوء في الوطن العربي، في ظروف وشروط تفتقر الى أدنى شروط الحياة البشرية والكرامة الإنسانية، مع بقاء نصفه الآخر تحت إحتلال بغيض يمارس بحقه كل أشكال القمع والتنكيل ونكران حقه في الوجود والبقاء، وليحل محله مستوطنون قادمون من كل أصقاع الدنيا.
اليوم وبعد تسعة وعشرين عاماً، نقف أمام تحديات جسام ومخاطر حقيقة تعصف بوجودنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني، مشاريع وصفقات سياسية، تستهدفنا في الصميم، مشاريع تريد أن تلغي وتصادر حقوقنا وبمباركة ومشاركة عربية، ولذلك سيكون الجميع متهم من قبل شعبنا، إذا لم يسارع الى إنهاء الخلافات وتحصين جبهتنا الداخلية وإنهاء إنقسامنا المدمر، من خلال مصالحة ترتب أوضاعنا في الضفة الغربية وغزة عبر حكومة وحدة وطنية وانتخابات تشريعية ورئاسية، كما ترتب إدارة القرار الفلسطيني عبر إعادة بناء منظمة التحرير، والاتفاق على برنامج سياسي مشترك للشعب الفلسطيني.