ريما كتانة نزال - النجاح الإخباري - في «جُبّ الديب» في محافظة بيت لحم، كل شيء مختلف عن باقي المناطق المستهدفة من قبل الاحتلال. حتى مدرستها التي تحمل اسم «تحدي 5» تختلف عن باقي المدارس. تَتَكوَّم المدرسة تحت أقدام جبل «الفرديس»، ثلاث غرف من طوب و»زينكو» بُنِيَت على عجل، بجهد وإرادة خالصة من الأهالي ودعم من وزارة التربية والتعليم.
قبل بناء المدرسة هذا العام، كان الطلبة يذهبون الى مدرسة في بلدة زعترة التي تبعد ثلاث كيلومترات عن الجبّ، طريق طويل أدى إلى تسرب التلاميذ. وقبلها أزال الاحتلال «الكرافانات» التي نُصبت من قبل هيئة مقاومة الجدار والاستيطان على أرض وعرة. بنيت مدرسة مكان الكرفانات، المدرسة ما زالت مهددة بالتدمير أو تسرب الطلبة، لبدائيتها وبعدها عن القرية المنسية.
«جب الديب» تشبه اسمها فقط. لا منطق للحياة في القرية، بلد الممنوعات. ممنوع عليها التنفس والشرب والضوء أكثر مما هو مخصّص لها. تخطيط منهجي لتهجير سكانها. لقد حقق المخطط الاحتلالي نجاحات هامة، هاجرت اثنين وعشرين عائلة، كسباً للرزق والأمن.
«جُب الديب» التي تعيش على أحد أضلاع مثلث رأسه الجبل؛ مُسيْطَر عليها بواسطة نظام قمعي جهنمي يُدار من داخل الجبل التاريخي، مدعّم بنظام مراقبة حديث، كاميرات تطير على منطاد يمسح المنطقة أسبوعياً. تراقب الكاميرات الطائرة أي تغيير طارئ على القرية، في حال تجرأ أحد السكان على استبدال سقف الزينكو بآخر من اسمنت، أو أي تغيير مهما كان بسيطاً. حينها لا يهبط الحارس الأمني من جبله لإعادة الأمور الى النظام، بل يسائل الناس عبر مكبِّرات الصوت، مطالباً إزالة الإضافات بأيديهم!
نذهب لتوثيق ما هو معلوم، ربما. نجمع شهادات وإفادات وفق مصطلح من جملة مصطلحات نتعاطاها يومياً، كأنها البلسم الشافي. نقف على انتهاكات الاحتلال، الفردية والجماعية، من خلال عيون النساء. من اهتمام النساء الخاص بالشوارد والتفاصيل وممارسة الأدوار المختلفة.
دعوا لسانكن يروي حكاياتكن اليومية مع نظام السيطرة في جبل «هيرودتس»، الجبل الكنعاني «الفريديس» الذي يتَهّود. قد يجدي التوثيق نفعاً في يوم ما، أنتن لساننا الجمعي. حديث غير متكلَّف، يخرج بعفوية عن القوالب والأطر والمقدمات. عن البحث عن حياة جديرة بالحياة.
ثمّة نظام محكم التدبير في داخل الجبل المخروطي الشكل، نظام السيطرة في السجن المُسمى «جبّ الديب» ينتقل من الامهات الى الأبناء، يتعلم الأطفال وقْع وواقع الحياة في القرية الصغيرة من أمهاتهن، كما يتعلم العامل الصغير صنعته من معلمه.
يتعلمون أسرار الحركة المتاحة لهم في المكان، أصول التنقل واللعب والزرع. السجناء الجدد لا يختارون سجنهم، بل يرثونه من الأرحام المسجونة في بئر بلا قرار. مكان غير مُتاح في وطن تتعدد فيه: أشكال وأبعاد ومآلات السجون.
خمس وعشرون امرأة تروي الحكاية، بالنيابة عن مئة وستين نسمة هم كل سكان القرية، عن افتقاد المواصلات، عن عيادة مفقودة، عن ولادات منزلية، عن حالات طارئة، عن دعم وسائل ومقوِّمات الصمود، الثبات في المكان. باقون، يبحثون عن حياة جديرة بالحياة.
النساء في الجبّ اللواتي تمتعن بالكهرباء لمدة ستة أشهر قبل أن يدمر الاحتلال الخلايا الشمسية التي وضعتها السلطة، تعرفن على أفلام «الكرتون» مع الأبناء، تمتعن بترف الثلاجات والغسالات والشبكة العنكبوتية. تمتعن صدفة بفتح حسابات على «الفيس بوك». منذ تلك اللحظة تصيبهم الرعشة لدى الحديث عن الماء والكهرباء، ما يفوت أولادهن من معارف وأنشطة يتمتع بها غيرهم. يبحن بأحلامهن وكوابيسهن الدائمة.
في الوطن لا تتحقق العدالة الاجتماعية بذات القدر والمستوى، النساء في جب الديب لسن كالنساء في رام الله وغيرها من المدن والبلدات. انهن قويّات ومُمَكَّنات من أداء مهامهن في الصمود والمقاومة. النساء في «جُب الديب» يتسللن الى الجبل لفتح صنبور المياه الذي يتحكم به الاحتلال، النساء يبحثن عن من يقدم المساعدة لتطوير المدرسة..النساء هناك رَدَدْنَ جميع العروض السخية المقدمة من مؤسسات على أعقابها، عروض التمكين والتدريب، متمسكات بمطلب واحد فقط، تمكين الحياة من الاستمرار، تقوية الصمود: «نريد الكهرباء أولاً، نريد مواصلات، تطوير المدرسة ومنع تسرب الطلبة.
«جُب الديب» وغيرها من القرى التي تنتهك فيها انتهاكات جماعية، جبارة ويانون وجب الديب وعزون وخربة زكريا وغيرها، يصارعون من أجل البقاء. وتوفر عوامل الصمود والثبات مهمة مقدسة على الجميع الايفاء بها. توزيع عادل للخدمات والموازنات، عبر خدمات نوعية تصنع الفرق، ماء وكهرباء ومرافق