ريما كتانة نزال - النجاح الإخباري - لم يصدر عن مديرية التربية والتعليم أي بيان أو تصريح، يوضح سبب تنظيم إحدى مدارس مدينة نابلس احتفالا تكريميا لاثنتين وخمسين طالبة ارتدين الحجاب وعشرين طالبة ارتدين الجلباب. الاحتفال أشعل الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما أن أنشطة وممارسات شبيهة دائمة الحدوث، ما جعلها تبدو سياسة متبعة في بعض المدارس. المدرسة التي نظمت التكريم قالت: إن الحفل تمّ بناء على مطالب مجلس الأمهات! التنصل من النشاط لا يعفي المدرسة من استسهال منح الغطاء على نشاط يميّز بين الطالبات.
وحسب شهادات قدمتها طالبات في نطاق ضيق، أن إحدى المعلمات طلبت وقوف الطالبات اللواتي لا تضع أمهاتهن الغطاء على رؤوسهن، ما أشعرهن بالتمييز والإحراج القصدي. وقالت طالبات إنهن وفي أعقاب عرض فيلم «أهوال جحيم القيامة»، أجهشن بالبكاء وأن شعوراً بالكراهية لذواتهن مع تأنيب الضمير قد انتابهن. وتحدثت طالبات عن لجوء إحدى المدرِّسات إلى جرّ فتاة غير محجبة من شعرها، ما أشعرها بالاغتراب والذعر، هذا السلوك ليس له وصف آخر غير الترهيب!
تكريم المحجبات نشاطٌ دائم في بعض المدارس تواظب جهات لها انتماءات فكرية «ايديولوجية» وربما سياسية على تنظيمه سنوياً، يَتذرعن بمطالب مجالس الأمهات. المدرسة غير معنية بانعكاس وتأثير النشاط على باقي الطالبات من غير المحجبات. لسن موجودات أو مرئيات بالنسبة لهم، ما يغذي ثقافة التمييز والابتزاز والكراهية ضد الآخر وبخاصة الأقليات.
الأنشطة المشار لها تقدم الدليل على ممارسة التمييز القصدي ليس على أساس الدين فقط، بل التمييز بين بنات الدين الواحد، التمييز بين مسلمات يضعن الحجاب ومسلمات لا يضعْنه، والتمييز ضد المسيحيين. من هنا يبرز التساؤل المشروع عن دور وزارة التربية والتعليم في متابعة والاطلاع على طبيعة الأنشطة غير المنهجية الممارسة في المدارس. التساؤل، هل تؤيِّد الوزارة مثل هذه الانشطة التمييزية؟ وهل هذه الانشطة جزء من الرسالة التربوية للوزارة؟
الأنشطة المُشار لها، تُحيلنا إلى مسؤولية المناهج المدرسية في ترسيخ ثقافة التسامح واحترام الآخر ومواجهة انتشار التطرف الديني الذي يمارس التحريم والتكفير ويستبيح الحريات العامة والخاصة. مسؤوليتها في تجنب إثارة النعرات بين المواطنين والحفاظ على متانة النسيج الاجتماعي ووحدته، كما انها تستدعي فحص مدى استنادها للقانون الأساسي والميثاق وفكر التحرر الوطني ووثيقة إعلان الاستقلال، التي تنص جميعا على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين والمعتقد والجنس. وهنا لا بد من التدقيق في مضامينها بعد أن تمَّ تعديلها مؤخراً عبر المناهج الجديدة التي وضعت في الخدمة مع بداية العام الدراسي الحالي 2017.
في فحص سريع لمنهاج التربية الدينية المخصص للصف الثاني الابتدائي، سأجد شرحاً للسورة الكريمة التي نحفظ إحدى آياتها عن ظهر قلب: «لكم دينكم ولي دين»، نتلوها للاستشهاد بحرية المعتقد وحق الاختلاف. لكن الرسالة جاءت متعاكسة مع الثقافة التعددية واحترام الآخر، لدى تأويل معنى الآية، ليصبح معناها لدى المؤلف: «لكم كُفْرُكم ولي الاسلام». كان عليه تعريف من هم الكافرون في المجتمع الفلسطيني الذين يتحدث عنهم المنهاج؟! تركها لاستنتاجات المعلم والطلبة وخيالهم!
في نص ورد في منهاج التربية الدينية المخصص لطلبة الصف التاسع، اشترط البند الخامس من «شروط اللباس الشرعي للمرأة»، أن لباس المرأة يجب: «ألّا يشبه لباس الرجل ولا لباس الكفار». يبدو لي أن الشق الأول من الشرط مفهوم للجميع بمن فيهم طلبة الصف التاسع، لكن ما هو اللباس الذي لا يشبه لباس الكفار! مطلوب من المنهاج الإجابة على سؤال: من هم الكفار الذين يتحدث النص عنهم. وإذا كان الغرب هم الكفار فلماذا يرتدي الذكور لباسهم؟
في نص خاص بالمنافقين وتحديد نواقص الإيمان، يصنف منهاج التربية الدينية الموجَّه لطلبة الصف الحادي عشر، مشاركة غير المسلمين في شعائرهم الدينية تنتقص من إيمان المسلم بل تخرجه من الإسلام. في الحقيقة أن هذا المنطق يخلق الوعي لدى الأجيال أن المسيحيين غير متساوين أو غير موجودين أو أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
واضح أن المنهاج الجديد ينطوي على التطرف الديني والتمييز ضد الآخر، يؤدي إلى التحريض على كراهية الآخر، ليس فقط منهاج التربية الدينية بل منهاج اللغة العربية والتنشئة الوطنية والاجتماعية. يتضح أننا لم نستفد من مجريات الصراع الجارية في المنطقة على صفيح ساخن، لم نتعظ من نتائج إثارة النعرات وافتعال الخلافات والتقسيمات.
المصلحة الوطنية تقتضي أولا؛ الرقابة على أنشطة المدارس وعدم تركها للاجتهاد المؤسس على ثقافة تمييزية إقصائية سائدة، كذلك إعادة تدقيق المنهاج الجديد لجهة وقف كل أشكال التمييز الموجودة في العديد من العناوين ومن ثم تنقيته من شوائبه الأُخرى، لصالح تكريس هوية ثقافية ديمقراطية تنظر الى المستقبل ودور الأجيال القادمة في بناء الدولة الديمقراطية، دولة المواطنة والمساواة، المنسجمة مع تراث الشعب الفلسطيني في الإخاء والشراكة الحقيقية بين المسلمين والمسيحيين وفي التعدد الديني والثقافي والسياسي، وفي النضال التحرري المشترك الذي حقق الكثير، وقدم وجهاً حضارياً للشعب الفلسطيني.