يحيى رباح - النجاح الإخباري - لعل عنوان هذا المقال يبدو غير منطقي بالمرة، بعد وجود إسرائيل منذ سبعين سنة بقرار من الشرعية الدولية وهو القرار 181 لسنة 1947، وبعد عدة اتفاقيات سلام ابرمت معها من الدول العربية، وبعد دخولها القوي على ساحات كبرى كانت محرمة عليها مثل الصين والهند اللتين تعاظمت علاقات إسرائيل معهما عبر صفقات التكنولوجيا الحديثة.
وبعد استمرار حلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية في تأمين عناصر القوة لها، وبعد تسابق بعض الدول العربية على الدخول في تحالفات امنية معها، واشياء أخرى كثيرة، يبدو معها السؤال لامحل له من الاعراب، ولكن العقل الذي التقط هذه المزايا لصالح إسرائيل، التقط أيضا كثيرا من العلامات والمؤشرات السلبية، من بينها ان إسرائيل في سلوكها اليومي والسياسي والأمني والاجتماعي والثقافي على المستوى الداخلي والخارجي على السواء ترسل الكثير من الإشارات التي تدل على ارتباك كبير، وفقدان مصداقية خطير المستوى، اول هذه الإشارات توحي باننا لسنا امام إسرائيل واحدة، بل اكثر من إسرائيل تصل بينهما العلاقة في كثير من الأحيان الى حد الاستعصاء، مثل توسيع درجات الاتهام الى اليسار الإسرائيلي كما لو انه خائن ويهدد المصير الوجودي للدولة، والتعامل بتحريض يصل الى الحد الجنائي والارهابي ضد اكثر من عشرين بالمئة من مواطني الدولة الأصليين وهم المواطنون العرب، وان هذا التحريض لا يأتي من شرائح اليمين المتدينة بل من رئيس الوزراء ووزرائه ومستشاريه، والاحتقار الواضح لشرائح من المواطنين اليهود انفسهم مثل يهود الفلاشا الذين أعلنت سيناريوهات شبيهة بسيناريوهات الأفلام الدرامية الكبرى عند احضارهم لإسرائيل وعندما طلب منهم ان يتبرعوا بدمائهم لحالات الطوارئ فقد تم رمي عبوات دمائهم في حاويات القمامة تحت بند عدم تلويث الدم اليهودي النقي، وتكرار بيع الأطفال اليهود لأسر يهودية غنية في المهجر وهو ماحدث مع الاف الأطفال من يهود اليمن في الماضي، ويتكرر الامر مع يهود اخرين من مواطني دولة إسرائيل، وزيادة ملحوظة في الهجرة المعاكسة من إسرائيل الى الخارج لتؤكد لهؤلاء المهاجرين ان لا مستقبل لحياتهم في إسرائيل وانها غير مطمئنة، وبالإضافة الى يوميات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، العزلة الدولية التي دخلتها إسرائيل، وإصرار التحالف اليميني الديني والعلماني الذي يصر على تهميش مؤسسات القضاء الإسرائيلي نفسها، وشرعنة سرقة الأرض الفلسطينية بعيدا عن أي سند قانوني، وتشجيع ظواهر الإرهاب اليهودي الذي ينتشر عبر مجموعات يتم دعمها رسميا وعلى المكشوف، ودعوة نتنياهو لاعضاء الكنيست من حزبه او تحالفه لاقتحام الأقصى وماتقود اليه هذه الدعوة من تداعيات سلبية.
وهناك ملاحظات وتفاصيل اكثر سوادا لا يتسع هذا المقال لتسجيلها بالتفصيل، ما يشير الى ان المؤسسة الإسرائيلية ليست في افضل حالاتها، لانها تعاني من اختلالات أفقية ورأسية تستدعي الكثير من الأسئلة غير التقليدية، وهي أسئلة تتعلق بالمصير، وتتعلق بالعالم كله، وهل إسرائيل قادرة على الاستمرار ضد العالم وضد مصالحه وقوانينه التي يسير عليها، والى اين تصل حدود الاستثناء التي تتشبث بها إسرائيل وتريدها بامتياز خاص!؟!