إيناس حاج علي - النجاح الإخباري - أمام ما يعانيه الفلسطينيون تزداد الضغوطات والقلق والتوتر فأصبحنا نسمع بحالات الانتحار، وكأنها شيء عادي، وبين المجتمع والاحتلال والاغلاقات أصبح الانتحار هو الملجأ الوحيد لكثيرين من الشباب الفلسطيني الفاقد للأمل.
فمنهم من يعاني من عدم قدرة الآخر على استيعابه وتقبل التغيرات الاجتماعية وما تتطلبه من ليونة في معاملة الأبناء وخاصة الإناث منهم.
الكثير من الأسباب تنفخ في بأرواحهم حتى تنفجر، مشاكل خاصة بالأسرة وعدم نضج الآباء وتفهمهم لأبنائهم.
و تأثير النزعة الإسلاموية والتراجع الملحوظ خاصة عند الأسر البسيطة التي تتبنّى بصلابة الفتاوى المتسرعة والصادرة عن كلّ من هبّ ودبّ.
والتعسّف اتجاه حرية المرأة، و لكن الضغوط نفسها تمارس أيضا على الذكور.
كل هذا خلق حالة جديدة بين الشباب بأنَّ لا الحياة ولا الأهل ولا الأصدقاء ولا الدين أصبح له سلطة أمام سلطة الاكتئاب الميال إلى الاستسلام الأبدي وهذا ما حدث في قصة مهند يونس.
اليوم فقدت غزة أحد كتابها وشاباً لامعاً كان لو خلق في منطقة أخرى لربما سيكون شخصاً ينتقل بعمله بعد تخرجه من كلية الصيدلة إلى مرحلة أخرى من الإبداع والتميز.
وينتقل بقلمه من مرحلة "الخرابيش " كما أسماها إلى مرحلة النشر على مستوى وطني أو ربما إقليمي ولكن
اليأس خطف مهند قبل أن يخطفه شغف الحياة.
مهند "مات" لكن لم تقتله الصواريخ ولا القنابل قتله الوجود في مكان بين الوجود واللاوجود.
غزة ومن يحكمونها لم يكونوا أرحم من الصواريخ على أبناءها فساهمت بتضييق الخناق على شبابها قتلت معاذ الحاج ببطئ وهو نائم في بيته فرحل بكل هدوء واليوم ذهبت بمهند إلى مرحلة أخرى فغادر الدنيا بلا وداع أو سابق إنذار.
لربما طريقة مهند بالاحتجاج على الواقع ورؤيته لنفسه كبطل منهزم ومنتصر هي التي قادته في النهاية إلى الموت
فكتب قبلاً :
- أها، إنك تحاول أن تقول شيئًا لكن غير قادر على قوله.
- كل ما أقوله إنما تعبير عن عجزي عن قوله.
- دخلنا في الفلسفة!
- لا، هذا ما أشعر بها حقًا، أصلًا ما الفائدة من قول الأشياء؟ أتصبح ذات معنى؟ نحن نعطيها المعنى؟ لكنها موجودة من قبلنا وستظل موجودة بعد أن يعلك الدود أجسادنا!
وفي اعترافات وهلاوس ما قبل الانتحار كتب مهند.
أشعر بفقدان العاطفة تجاه حتى أكثر الناس قربًا مني، ربما بالخجل منها كأنها انحراف أو عيب يجب التستر عليه. أهذا طبيعي؟ لا تقل لي بنبرتك الهادئة المستفزة بأن كل الأمور على ما يرام.
- حسنًا، أنت في مأزق كبير، يجب عليك أن تتوجه لأقرب تليفون عمومي، لتخبر أقرب شخص لديك بوصيتك الأخيرة.
- وبعدين؟ أقتلك ثم أنتحر؟
- لا بعدين ولا قبلين. خذ سيجارة.
- وورقة وقلمًا أيضًا .
- لماذا؟
- من أجل الوصية.
- وكأن أحد يكترث لأجلك. المهم، كنت تتحدث عن فقدان العاطفة، كيف؟
- أعني أنني لا أستطيع الشعور بالمشاعر الطبيعية، الأمر معقد وبسيط في آن، أقصد، مثل التفكير في تحكمك بقدميك أثناء عملية المشي، أتفهم؟ هناك تلك الليالي القليلة جدًا التي أستيقظ فيها مرعوبًا لأتوجه لغرفة أمي، أظل واقفًا على الباب ولا أدخل بالطبع، لكني أود وقتها أن أخبرها كم أني أحبها، ثم يتلاشى هذا الشعور صبيحة اليوم التالي.
الاكتئاب وعدم القدرة على التواصل مع الواقع هو أمر خطير جديد ولا يمكن انكاره . والاكتئاب مرض مزمن يؤثر على حياة الشخص وقد يؤدي إلى أعراض جسمية كآلام غير معروفة الأسباب، كما قد يقود المصاب به إلى الانتحار.
الاكتئاب ليس مجرد يوم حزين يمر به الفرد أو مجرد لحظات من الكآبة يمكن تخطيها، وهو ليس علامة ضعف عند الشخص أو قلة حيلة على الصعيد الشخصي أو العقلي، بل هو مرض مزمن وخطير مثل داء السكري أو ارتفاع ضغط الدم، وهو بحاجة لرعاية طبية محترفة وعلاج ملائم.
لا أعرف الى متى سنبقى عمياناً والى متى سيتم التعامل مع الواقع في غزة كأنها غير موجودة ومن يحكمون غزة أقاموا محاكمات دينية لأطفال وقادوا الشباب الى حالة من اليأس وعدم القدرة على التعامل مع الواقع مع استمرار الهزائم في نفوسهم.
أنهى مهند حياته بهذه السطور التي كتبها قبل الرحيل
الاكتئاب مجددًا؟
- لا، مجرد نوبة من الشعور بالقلق تجاه نفسي، وتجاه من حولي، وتجاه الأشياء.
هناك قصص مثيرة حقيقية تموت مع أصحابها، ربما كان من شأنها أن تغير العالم، ربما لهذا السبب نشعر أن شيئًا ما ناقص !