عاطف شقير - النجاح الإخباري -     ان مفهوم الدعاية الإعلامية قديم، ويعود إلى اقدم الحقب التاريخية في غابر الزمان، وقد أولى الحكام والساسة أهمية كبيرة للدعاية الإعلامية منذ العهد الروماني، وذلك أوقات الحروب والمشاحنات، وقد اقتصرت وسائل الدعاية منذ ذلك العهد على أدوات بسيطة كالقلم والورقة، وتعميم تلك الورقة على عموم الناس بوضعها في الأماكن العامة ليتمكن الجمهور من قراءتها، وقد يتمكن البعض من قراءتها والأخر لا يتمكن نظرا لان القلة القليلة من الناس ممن يتقنون فن القراءة والكتابة، وقد تلجا بعض الحاشية لدى الحاكم بامر أحد الناس بإبلاغ الناس بصوته المرتفع بامر من الأمور السياسية، حيث لا يتمكن المعظم من سماع تلك البلاغات الصادرة عن الحاكم.
أما في عصرنا الحاضر، فان وسائل الاتصال الجماهيري قد ملأت الفضاء بالبث الإذاعي والتلفزيوني على مدار أربع وعشرين ساعة، حيث تتفنن في إلقاء الأوامر السامية على جمهورها الذي يقطن في تلك البلد من اجل توجيهه الوجهة التي يريدها الحاكم من اجل خدمة بلاده.
   أما في زمن الحرب فان وسائل الإعلام  تكثر أهميتها نظرا لان هناك من الإشاعات التي تريد إضعاف معنويات الجيش والشعب لثنيه عن الاستمرار في المقاومة، فتلجا الدول المعادية بالعادة إلى إطلاق الإشاعات، كان تقول ان الرئيس كذا و كذا قد قتل أثناء القصف الجوي الذي استهدفه، للضغط على الطرف الأخر لإجباره على دحض تلك المزاعم، بإظهار الرئيس وهو يلقي خطابا إلى شعبه وجيشه مدللا على انه ما يزال على قيد الحياة ويمسك بزمام الأمور في تلك البلد، عندئذ يتمكن الشعب من التأكد من بطلان المزاعم المعادية التي تستهدف البلد الأخر، ولكن ما يجري ان تلك الشائعات لايمكن ان تتسرب إلى الجمهور بعد ان تبين له ان العدو يخدعه بالمعلومات الأخبارية التي تنضوي تحت ما يسمى بالدعاية الإعلامية المعادية التي يبدا مفعولها يتجمد نظرا لان قوتها تبدا منذ اللحظة الاولى في الحرب.
ولكن اليوم في عصرنا الحاضر أصبحت الشعوب على قدر كبير من الوعي والثقافة لكي تميز الدعايات الإعلامية أوقات الحرب، فلا يثق الشعب بالمعلومات هذه وتلك إلا  إذا تمكن من رؤيتها عبر شاشات التلفزة العالمية.
لهذا قد تلجا بعض الدول المعادية في بداية الحرب على تحطيم شبكات البث التلفزيوني والإذاعي في بداية الحرب، لئلا يتمكن الطرف الأخر من بث ما يغيض العدو من صور للأسرى او القتلى التي لا يمكن التلاعب الدعائي فيها إلا ما ندر، وذلك عن طريق تقليد الزي العسكري للطرف الأخر بهدف إشاعة الفوضى في صفوف الطرف الأخر، بان هناك عددا كبيرا من الأسرى وقعوا في الاسر، وتكون تلك الصور لأشخاص من تلك الدولة  امتطوا زي الطرف الأخر للإيحاء للعالم بان هناك عدد لا يستهان به قد وقع في الأسر وقبضة العدو، للتأثيرعلى معنويات الجيش في الحرب، او بث الإشاعات التي توحي بان معظم الجبهات في الحرب قد استسلمت لكي يضعفوا تلك الجبهات و يضعفوا عزيمتها على القتال والحرب بشراسة وشجاعة وصلابة.
هذه بعض ألوان الدعاية، وان كنا في هذا المقال لسنا بصدد طرح أشكال تلك الدعايات الإعلامية وانما الطريقة التي يستعملها العدو للنيل من عدوه.
فالدعاية في الأساس:هي عبارة عن عمل إعلامي جماعي مدروس ومخطط يستهدف النيل من قدرة العدوعلى القتال والحرب للانتصارعليه، ويستعمل في الدعاية مختلف وسائل الإعلام والاتصال، للتمكن من انتشارها ونجاحها.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى نجاح الدعاية الإعلامية، هو سرعة انتشارها في صفوف الطرف المقاتل الأخر، إضافة إلى ذلك اضعاف قدرة الطرف الأخر للإثبات عبر وسائل الإعلام المختلفة التي يمتلكها، بان مضمون الدعاية الإعلامية لا أساس له من الصحة والصدق، الأمر الذي يمهد لانتشار الإشاعات بين أوساط الشعب والجيوش مما يمهد في نهاية المطاف إلى الهزيمة والفشل.
وفي الدول المتحضرة، قبل دخول الحرب بسنوات تكون قد أعدت الخطط الدعائية للنيل من الطرف المعادي، ولإسباغ التهم ضده على انه دكتاتوري أو عدواني أو همجي، لتبرير حربها القادمة ضده، وقد تقوم تلك الدول بتعيين طاقم كبير من الخبراء الإعلاميين في مجال الحرب مهمتهم في الأساس وضع إستراتيجيات الحرب التي من شانها تقويض سلطة الطرف الأخر التي تؤدي في المجمل إلى خدمة مصالح بلده بالطريق التي لربما تفوق حدة السلاح وقوته، لان معنويات الجنود في الحرب هي التي تشكل المعادلة الصعبة في الصمود والتحدي لدحر المحتلين والمعتدين عن تلك البلاد.
    وقد أصبحت الدول العظمى اليوم تقوم بالدعاية الإعلامية الهادفة من خلال نشرات أخباره، التي يجب ان تتصف بالدقة والموضوعية والحياد، حسبما تدعو أخلاقيات مهنة الصحافة، إلا ان الطرف الأقوى يستطيع تسخير مختلف القوى في المجتمع لصالحه بما فيه التكنولوجيا الحديثة والإعلاميين المعاصرين الا ما ندر من الذين يحاولون تطبيق أسس المهنة الصحفية القائمة على الوصول إلى الحقيقة مهما كانت الأسباب والدوافع التي تؤدي بالصحافي إلى اعتقاله او نفيه، لانه قال الحقيقة التي من شانها ان تخدم الطرف الأخر في النزاع لان هذا الصحفي تعود على الصدق والموضوعية في عمله.
أما في بلادنا العربية فان طواقم الدعاية الإعلامية لا تشكل أوقات الحروب والنزاعات، وانما الذي يتكفل في مختلف العمل الإعلامي والدعائي وقت الحروب والنزاعات وزير الاعلام الذي ينقل الصورة إلى جمهوره والى العالم اجمع.
فهذا يستدعي من الحكومات العربية النظر في سياساتها التي من شانها ان تؤثر على معنويات جيشها في مختلف الحروب، بسبب الإخفاق في تجنيد الخبراء الدعائيين في الحرب، مما يجعل البلد العربي يدخل  الحرب دون ان يكون لديه أي تخطيط للحملة الدعائية.
 واستطيع القول ان نظام صدام حسين السابق لو استطاع تسخير الخبراء الإعلاميين العراقيين والعرب لصالحه، وذلك تحت مفهوم المضامين الدعائية الحديثة للشعب والإيحاء إليهم بان المحتل الأمريكي يريد احتلال البلد ونهب ثرواته الطبيعية، لأثرت تلك الدعاية على العراقيين ولدافعوا عن بلدهم بكل قوة وبسالة  وشراسة وحتى الرمق الأخير، ولكن إغفال أهمية الدعاية الإعلامية وشحن العراقيين وتعبئتهم هي التي أسهمت في نجاح الدعاية الأمريكية المضادة التي تقول: بان القوات الأمريكية جاءت لتحرير العراق من الطاغية صدام، وزرع الديمقراطية والحرية في ربوع العراق، فسخرت الولايات المتحدة الخبراء والأموال الطائلة لنجاح هذه الحملة الدعائية إلى ان قطفت ثمارها في انتصارها الساحق على القوات العراقية.
 ولقد حققت الدعاية الصهيونية أهدافها أيضا في إقامة الدولة اليهودية والسيادة على ارض فلسطين عام 1948م، حيث تبنت الدعاية الصهيونية أفكار مفادها ان الدول العربية عبارة عن دكتاتوريات متوحشة يحيطون بدولة إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، الأمر الذي جلب التعاطف الأوروبي لتلك الدولة، وانهالت عليها المساعدات المالية من كل حدب وصوب لتمكين وتمتين تلك الدولة الحديثة والنهوض بها في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والصناعية لجعلها تتفوق على دول المنطقة جميعها.
   إضافة إلى ذلك، درجت الدعاية الصهيونية على مقولة في بداية تأسيس الدولة الصهيونية، مفادها ان العرب يريدون إلقاء الإسرائيليين في عرض البحر، مما جلب اليها الدعم المالي والاقتصادي من معظم دول أوروبا الغربية على نحو جعلها الدولة الأقوى في منطقة الشرق الأوسط.
 وفد حققت هذه الدعاية النجاحات الكبيرة التي لم تحققها الصداقات العربية مع الاتحاد السوفيتي قديما، الأمر الذي يبرهن مدى نجاح الدعاية الصهيونية في كسب الرأي العام الغربي الذي ما بخل يوما على المساعدة في تقوية إسرائيل في معظم الميادين سواء أكانت الصناعية او الاقتصادية او التكنولوجية.
وهنا لابد من الإشارة إلى ما يسمى بالمحرقة النازية ضمن فنون الدعاية الصهيونية التي قتل فيها حسب بعض المصادر الإسرائيلية ما يقرب عن ستة ملايين نسمة، وقد تبارى اليهود في العالم في التفنن في العذابات التي واجهوها على يد النازي هتلر، وقد نجحوا في الحصول على التعويضات المالية الضخمة من ألمانيا جراء تلك المحرقة النازية، والى الان ما زالت ألمانيا تمنح إسرائيل احدث اختراعاتها التكنولوجية على امل ان ترضى إسرائيل عن الحكومة الألمانية، بسبب ما فعله هتلر في اليهود وعلى امل ان تظهر ألمانيا اكثر أخلاقية وحبا لحقوق الإنسان في القرن العشرين وما يتبعه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، كم محرقة تعرض لها الشعب الفلسطيني منذ ان احتلت أراضيه عام 1948م؟، وما هي حجم التعويضات التي دفعتها إسرائيل للفلسطينيين جراء هذه المحارق؟، وما هي حجم الدعاية الفلسطينية المؤثرة في الأوساط الغربية  للتنويه بالمحارق التي لا يزال يتعرض لها الشعب الفلسطيني على مدار 55 عاما ويزيد، أما ان الأوان للضمير العالمي ان يستيقظ من سباته العميق؟!.
وفي أيامنا الحديثة انتشر ما يسمى بالدعاية التجارية، وذلك من اجل الترويج للسلع وبيعها بأسرع وقت ممكن، بهدف الحصول على الربح الوفير جراء تلك الدعايات التجارية التي من شانها إقناع المستهلك بشراء السلع التجارية التي تساهم في النمو التجاري، و ذهب البعض من خبراء الدعاية التجارية إلى التركيز على النساء في الحملات الدعائية التجارية، لانهن  يملكن حق التبذير لشراء بعض اللوازم البيتية، من خلال إقناع النساء السهل بأهمية السلعة وضرورتها في المنزل، وأنها لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال، وهذا الشيء يمهد لاقناع المرأة بأهمية السلعة الأمر الذي يجعلها تتسارع في شراء السلعة من اجل ذلك الدعاية.
ومن جهة ثانية، يتفنن خبراء الدعاية التجارية في تركيز مضمون الدعاية الفاتن لإثارة اهتمام الأطفال بالسلعة لتشجيع الأهل على شرائها فغالبا ما تخاطب النصوص الدعائية التجارية الأطفال لحض ابائهم على شراء السلع التجارية إليهم، وغالبا ما يختفي عنصر التضليل الدعائي في شراء السلع التجارية، وهذا يظهر بعد ان تقوم مثلا ربة البيت بتجريب السلعة التجارية عدة مرات كالحليب مثلا وغيره، فإذا ما تأكدت من فائدته فأنها سرعان ما تكرر شراءه والعكس هو الصحيح في مثل تلك الحالات.
  لهذا لا بد لربة البيت من الحذر من المضامين الدعائية التجارية التي تشجع الجمهورعلى الإسراف والتبذير من اجل شراء تلك السلع التجارية، ولا بد من التأكد من جودة السلع قبل شرائها، لاقناع المصنع بأهمية الجودة المهنية التي هي الأساس في تسويق السلع في عالمنا اليوم، وان تجربة السلع هي التي تحدد عودة المستهلك اليها او عدم عودته اليها، إذا ما استنتج ان السلعة لا تلبي أغراضه التسويقية فانه سرعان ما يتخلى عنها، وبالتالي فان الخاسر الأكبر من هذه الحملة هو المنتج الذي يصنع السلع التجارية الذي لا بد من مراجعة سياساته التسويقية التي يجب ان تتحلى بالصدق والموضوعية والإخلاص من اجل الرقي في التعامل مع المستهلك والزبائن، ولا غضاضة إذا ما تمكن الدعائي من نشر أفكار تشجع الأمهات على شراء السلع إذا ما كانت تلك المعلومات صحيحة ولا تضليل فيها.
   خلاصة القول، على الأمة العربية استثمار خبرائها في مجال الدعاية الإعلامية للعمل الدؤوب والمستمر والمبرمج للرد على الدعايات الغربية المبرمجة والتي لم نلبث ان نراها بشكل دوري، ولا نزال إلى الان لا نرى أي دعاية عربية مؤثرة على الساحة الدولية، رغم عدالة القضايا العربية، وهذا يعود بالأساس إلى عدم استثمار العقول العربية والأموال العربية في الطريق التي تخدم القضايا والمصالح العليا للوطن العربي، مما يجعل الغربي يسيطر على الفضاء كما يشاء ووفق الهوى الغربي، إلى درجة ان الاعلام العربي اصبح يردد دعاياته الإعلامية دون ان يدري كان  يقول بعض العلام العربي الإرهاب بدلا من المقاومة، وقول بعض الساسة العرب العنف بدلا من الكفاح والمقاومة المشروعة، مما يبرهن على النجاح الباهر التي تحلت به الدعاية الغربية في الساحة العربية، ولهذا لا بد من النهوض بالدعاية الإعلامية العربية التي من شانها نقل قضايا العرب ومعاناتهم إلى العالم باسره علها تحقق بعض النجاحات في دنيا الإعلام.