د. دلال عريقات - النجاح الإخباري - بقلم: د. دلال عريقات
سألني بروفيسور فلسطيني قبل ١٥ عاماً بخصوص ترتيب الأولويات الفلسطينية وكان من بين خياراته (القدس، الهوية، الحدود، اللاجئون)، حينها استهجنت وجود 'الهوية' ما بين الخيارات. فكيف لنا أن نضع قطعة ورقية بمستوى القدس أو اللاجئين مثلاً؟!
اليوم وبعد أن أدركت معنى الهوية، لا بد لي من مشاركة أهميتها مع الشباب الفلسطيني حتى أوفر عليهم الوقت لإدراك مكانة الهوية لأي إنسان وللفلسطيني بالتحديد.
الهوية، عزيزي القارىء ليست بأي شكل من الأشكال القطعة الورقية التي نحملها في جيوبنا، فما يحمله أي مواطن من هوية لا يتعدى مُسمى البطاقة التعريفية التي هي جزء أساسي للمواطنة لتوضيح معلوماته الأساسية كالاسم وتاريخ الميلاد ومكان السكن.
بالنسبة للفلسطيني، الهوية تتجاوز هذا التعريف بكثير فالهوية الوطنية بشكل عام تتشكل من الدين والتاريخ، الثقافة، الطعام، اللغة، المعالم الجغرافيّة، الفن، الآثار، الشعر، التضحيات، الإختراعات، الإنجازات الفردية في مجال العلوم والأدب والرياضة والكتابة وأخيراً طريقة التعامل مع الأزمات الداخلية والخارجية.
لتعريف هويتنا الوطنية الفلسطينية، علينا التركيز ودراسة المقومات التي سترفع من شأننا وستعزز من مكانة هويتنا، البعض ينظر للدين أنه جزء من الهوية الوطنية وهنا لا أستطيع إنكار أن الدين مُكون رئيسي لهوية أي إنسان إلا أنه ليس من مصلحة الفلسطيني التركيز على الرواية الإسلامية أو المسيحيّة عند تعريف الهوية الوطنية، ليس فقط لأن الدين من الحريات الفردية ولكل إنسان كامل الحرية العقيدية التي تحدد علاقته مع الْخَالِق، ولكن لأننا وبعد الدراسة وجدنا أنه ليس من الفطنة التركيز على الدين عند تعريف الهوية الوطنية لسبب عميق تاريخياً وهو أن الرواية اليهودية أقدم من الروايتين الإسلامية أو المسيحية على هذه الأرض وهنا إذا ركزنا في تعريف هويتنا على الدين، فمن المُرجح منطقياً خسارة النِقاش.
إذا حاولنا الإجابة عّن عناصر الهوية الوطنية الفلسطينية الرئيسية، علينا أن نُعيد صياغة السؤال بالتركيز على ما يميز هذه الهوية وما يجعلها فريدة عن غيرها والأهم هو الإنطباع الخارجي عن هويتنا الوطنية فهذه الإنطباعات قد تؤثر على مكانة فلسطين دولياً وقد تعيق تحقيق أهدافها الإستراتيجية. بعد التحليل سنجد أن التضحيات عنصر مهم، فالأسرى والشهداء واللاجئين جزء أساسي من الهوية الوطنية -ومن المهم هنا التفريق بين الأعمال الإرهابية والتضحيات الوطنية- لما لهذه التسميات من تأثير سلبي على الهوية الوطنية والصورة النمطية لفلسطين بالخارج. كما أن القدس بكنائسها وأقصاها وأحيائها حتى الكعك المقدسي فهو أهم معالم هذه المدينة الجدلية، الآثار من كنيسة المهد إلى دير قرنطل إلى سبسطية إلى القصور وغيرها من المعالم الأثرية ومقامات الأنبياء الذين مروا بأرض فلسطين المُقدسة ولا يغيب عن ذهننا الرئيس الشهيد ياسر عرفات والشاعر الكبير المرحوم محمود درويش وغيرهم الكثير من الشخصيات الأدبية والإعتبارية التي تعزز من مكانة فلسطين وتعكس صورة جميلة وإيجابية عن فلسطين التحدي والعمل والإبتكار.
هناك عوامل متغيرة تلعب دوراً مُهماً في تشكيل الهوية ومنها طريقة معالجة الأمة للأزمات أو السلوك والمواقف من المُتغيرات الداخلية، هنا علينا أن نعلم جيداً أن صورة الهوية الفلسطينية في العالم اليوم تعتمد على عاملين خطيرين:
أولاً، اسرائيل تشن حملة إعلامية ودبلوماسية ضخمة لإخراج الهوية الفلسطينية بصورة الإرهابية التي ترتكز على التحريض والكراهية.
ثانياً، 'غزة' فصورة الإنقسام والعجز عن إدارة أزماتنا الداخليّة هي التي تسيطر على شكل هويتنا الوطنية من الخارج.
ما زال أمامنا فرصة لتحسين هذه الصورة وتمكين الهوية الفلسطينية التي تعزز من مكانة بلادنا إن أضفنا وبجدية عامل الوحدة على عناصر هويتنا الوطنية الفلسطينية.