محمد علي طه - النجاح الإخباري - ما كنتُ أصدّق – وآخرون من أبناء جيلي – أنّ الاحتلال الاسرائيليّ لزهرة المدائن والضفة سيستمرّ خمسين عامًا في عصر لفّ الاستعمار ذيله وعاد هاربًا ذليلًا إلى دفيئاته، وما كنت أتخيّل – والغالبيّة العظمى من أبناء شعبي – أنّ الثّورة الفلسطينيّة التي انطلقت من معطف حزيران مثل طائر الفينيق وقدّمت عشرات آلاف القرابين على مذبح الحرّيّة لن تهزم الاحتلال طيلة خمسين عامًا، هذا الاحتلال الذي يرتكب جرائم بشعة على مدار أربع وعشرين ساعة يوميًّا بحقّ الانسان الفلسطينيّ وبيته ومائه وفضائه وأرضه وزرعه وشجره، كما يجرح عساكره وموظّفوه كرامة الانسان الفلسطينيّ في المعابر والحواجز والحقول ويقتحمون بيته ويعيثون فيه فسادًا ويسلبونه أمنه وراحته. والخلاصة مثالب الاحتلال وسفالته لا تحصى، ومن يأكل العصيّ ليس كمن يعدّها.
حذّر عدد من عقلاء إسرائيل، منذ الأيّام الأولى للاحتلال من ممارساته البشعة واسقاطاته على المجتمع الاسرائيليّ ولكنّ المؤسّستين، السّياسيّة والعسكريّة، عملتا على تحويله إلى قدر أو إلى شرّ لا بدّ منه، وتمادى البعض بوقاحة بتحويل كلمة "احتلال" إلى "تحرير". تحرير من أصحاب الأرض والبيت؟!!
هذا الاحتلال يعيش خائفًا مرعوبًا مهزومًا ومثلنا الشّعبيّ يؤكّد أنّ من يأكل اللحم النّيّئ يحيا خائفًا من وجع البطن، وكيف لا ترتجف سيقان الاحتلال وهو يرى ثبات شعبنا في مدنه وقراه ومزارعه، ورسوخه في أرضه، وتقديمه القرابين من خيرة شبّانه وشابّاته، وصمود أسراه في وجوه الطّغاة، (وهل هناك بيت فلسطينيّ لم يمرّ فرد منه بتجربة الأسر؟) وكيف لا ترتعد فرائصه وهو يرى الأجيال الطّالعة مثل عرائس الزّيتون الخضراء تنهل العلم وتبني المؤسّسات وتسرق النّوم من عيون المحتلّين؟ وكيف لا يصاب بوجع القلب وهو يرى السّلطة الفلسطينيّة تلاحقه وتطارده في المؤسّسات والهيئات الدّوليّة ولا تتنازل عن الثّوابت الوطنيّة؟
نعيش اليوم ذكرى خمسين عامًا لهذا الاحتلال ولا بدّ من أن يكون هدفنا الأساس أنّ هذا العام هو عام نهاية الاحتلال لأنّ نهايته مصلحة إنسانيّة لتطهير النّفوس من أبناء الشّعبين من الحقد والكراهيّة ومصلحة وطنيّة عليا للشّعبين كي يعيشا بحريّة وباستقلال لذلك لا بدّ من ان نتعاون مع القوى اليهوديّة اللبراليّة لتحقيق هذا الهدف.
نحن الذين يهمّنا مستقبل أبنائنا وأحفادنا ووطننا، ونحن الذين رضينا بالقسمة الضّيزى وبدولة صغيرة تعيش بسلام وبكرامة وبحسن جوار مع الدّولة التي تتباهى بأساطيلها البريّة والجويّة، هدفنا الأساس والأوّل هو إزالة الاحتلال ولا بدّ أن نعمل لتحقيق هذا الهدف. وأن نبدع ولا نكلّ ولا نملّ.
في مساء الخامس من حزيران من هذا العام ستطير السنونوة الأولى، مظاهرة عربيّة يهوديّة مباركة، من ساحة الحناطير في حيفا الجميلة وتخترق شارع يافا التّاريخيّ فدوّار الكاتب الذي قال "باقٍ في حيفا" فشارع اللنبي حتّى تصل إلى حيّ الألمانيّة وتُسمع حناجر المتظاهرين حكومة إسرائيل وأحزابها الصّهيونيّة ومستوطنيها الهتاف الثّوريّ: يسقط الاحتلال... يسقط!! كفى! كفى!!
حتمًا سيسقط الاحتلال وإنّي أراه في النّزع الأخير.