موفق مطر - النجاح الإخباري - تعرضت معظم شعوب الدنيا لنكبات بفعل عوامل خارجية كالاحتلال والغزو والتشريد والتهجير، او بحكم عوامل وكوارث طبيعية، او بسبب سياسات حكام دكتاتوريين مجرمين، او نتيجة لسياسات جماعات استغلت الدين للوصول الى السلطة فاذا بها تدفع البلاد الى نكبات تفوق بمؤثراتها ما سبقها من اشكال النكبات.
وقد تكون هنالك نكبات من نوع آخر، لكن ما يهمنا هنا أن الانسان المنكوب قد يضطر الى مغادرة بيته وارضه وحتى حدود وطنه طلبا للنجاة، فيسلك سبيلا آمنا يعتقد أنه درب العودة الى الديار (الوطن) ولو بعد حين.
قد تجتاح آلة الحرب بيتي وبيتك وارضي وأرضك، وتجرف معها كل ما أملك وكل ما تملك، بغض النظر عن جنسك او دينك او عرقك او لونك، فأنا وانت من أبناء آدم نتألم لأن جزءا عظيما منا (الوطن) اضطررنا لتركه ماديا تحت وطأة الحديد والنار والظلم، وهذا النوع من النكبات يحدث لكل الجماعات البشرية والشعوب والأمم، وهو بالضبط ما حصل لمئات آلاف الفلسطينيين في العام 1948.
قد تدمر الحرب وتطيح كل ما رفعته من اعمدة وأركان، او قد يسلبك الغزاة ما ورثت عن اجدادك الأولين، وقد يزورون (طابو ارضك) ما داموا قد اشتغلوا على تزوير التاريخ والكتب المقدسة تحريفها وتجييرها لشرعنة ظلمي وظلمك، وقد يرفع الغزاة المحتلون المستوطنون المستعمرون منشآت وبيوتا غريبة، فهذه النكبة على انقاض بيتي وبيتك الذي في احجاره رائحة آدم وحواء، وطني ووطنك نستطيع احتمالها، فما يصبرني أن جنتي في وطني، وجنتك في وطنك، ولا بد من العودة اليها حتى ولو اجبرنا على الهبوط ، فجدك الأول وجدي الأول آدم، وجدتي الأولى وجدتك الأولى حواء، ونحن هنا نسميهما آدم وحواء الفلسطينيين، لم يك قبلهما بشر انسي على أرض وطني وارض وطنك مذ صارت ارض الله.
يحتمل المرء كل انواع النكبات، إلا نكبة العقل، الوعي، الانتماء، الثقافة، فالأرض سنرجع اليها، ونعيد بناء الدار، ونسترجع سيادتنا، لكن دون عقل ووعي يقيم التجارب، وانتماء يرتقي حتى يصبح كعقيدة، وثقافة انسانية تجعلنا في عين العالم الناظر دائما الى الحق والحرية والحقوق كمقدسات، دون ذلك ستطيح النكبة المربعة بنا الى الأبد. نحتمل كل النكبات الا نكبة ستدمرنا ان وضعنا قرارنا المستقل في يد القوى الاقليمية، او الجماعات الرافضة للوطنية، وهوية التحرر والتقدم الانسانية.
ستتقلب علينا النكبات كتقلب الليل والنهار ان ولينا امورنا من يستكبر علينا ويستبد ويفتي بقطع اعناقنا ويفرض علينا الجزية، ويعتبرنا كفارا ما لم نخضع ونسلم لما يصرخ به ويهذي على المنابر!!.
لم تستطع الحركة الصهيونية المؤيدة والمسنودة من اعتى الأمبراطوريات الاستعمارية من ايقاعنا في نكبة الانتماء والانفصال الثقافي عن الانسانية، فبقينا في مساحة معقولة أمنت لنا النجاة، لاستعادة الوعي، واستلهام الطريق الجديدة ورسم درب العودة للوطن رغم تمكنها من احلال نكبة تشريد وتهجير واحتلال واستيطان بنا، وهذا النوع الذي يمكننا التحرر منه، فنحن سلكنا درب الكفاح والنضال الذي سيمكننا من استعادة الأرض والحرية والاستقلال والسيادة، ولم تتمكن دولة الصهيونية هذه بعد سبعين سنة الا من تأكيد عنصريتها بقانون القومية، أما نحن فقد فزنا في جولة الدولة الفلسطينية الديمقراطية، وفزنا في معركة الأخلاق والقيم، فلم نحول صراعنا الى مجرد رغبة بسفك الدماء، ولا جعلناه مقدسا، ولم ننفخ بكير الحرب الدينية، ولم نتخذ انسانا عدوا لنا بسبب دينه او عرقه او جنسه او لونه.
الخلاصة أن الذين ارادوا وخططوا ونفذوا لايقاعنا في الثقب الأسود، اي نكبة العقل والانفصال عن الانسانية، قد وقعوا هم بها، ويشتغلون الآن على اغراق فلك النجاة، فيما الفرصة متاحة لانقاذ انفسهم، لكن لا بد من التحرر من مرساة العنصرية والتفوق التي تشدهم الى القاع اكثر مع كل موجة في محيط هذا العالم، والاقرار بحق الشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة. اذا اذا ارادوا الصعود في اللحظة الأخيرة الى فلك السلام.