راسم عبيدات - النجاح الإخباري - لا يمكن عزل الحرب التي تشن على الحركة الأسيرة والشهداء فيما يتعلق برواتبهم من قبل الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية وحتى الإتحاد الأوروبي، عن الحرب التي تشن على الحركة الأسيرة الفلسطينية من قبل حكومة الاحتلال وأجهزتها الأمنية وإدارة مصلحة سجونها من اجل مصادرة وسلب حقوقها ومنجزاتها ومكتسباتها، وعدم الإستجابة لمطالبها في تحسين شروط وظروف حياتها، وحقها في حياة إنسانية كريمة في المعتقلات الإسرائيلية.
الإستهداف لرواتب الأسرى والشهداء وحق الأسرى في حياة كريمة في المعتقلات الإسرائيلية، مكمل لبعضه البعض ويأتي في مرحلة خطيرة، ويهدف لتحقيق مشروع سياسي خطير، فهذه الخطوات المتكاملة تستهدف طليعة النضال الوطني الفلسطيني الأسرى والشهداء، بحيث يجري تجريم نضالات شعبنا الفلسطيني واعتبارها شكلاً من أشكال الإرهاب، في تطور غير مسبوق، يصادر حق الشعب الفلسطيني في خوض كفاحه ونضاله المشروع من أجل إستعادة حقوقه المغتصبة، وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران1967، وبما يجعلنا ننظر بالكثير من الريبة والشك بأن الإدارة الأمريكية تريد جر القيادة الفلسطينية الى فخ سياسي، بحيث تطلق الرصاص على رجليها، فخ تتخلى فيه القيادة الفلسطينية عن حل الدولتين، رغم كل مثالبه ونواقصه، بالموافقة على فتح مسار سياسي جديد، بدانا نلمس تنفيذ خطواته على الأرض، ألا وهو السلام الإقتصادي المزعوم حسب مشروع نتنياهو القائم على تأييد وشرعنة الإحتلال مقابل تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال، وبتمويل من الصناديق العربية والدولية.
فحكومة الإحتلال سمحت لأكثر من (200) من رجال الأعمال بالدخول بسياراتهم الخاصة الى القدس والداخل الفلسطيني- 48 - والإستيراد والتصدير عبر ميناء حيفا، على ان يتبع تلك الخطوة، خطوات اوسع، وهي تأتي تنفيذاً لمشروع المتطرف ليبرمان،مشروع «العصا والجزرة»، مشروع العودة الى خيار روابط القرى العميلة و"المخترة".
إستهداف الأسرى والشهداء في قضية مفصلية، قضية تمس عصب حياتهم ومعيشتهم وهي الرواتب، لم يكن وليد صدفة، بل جرى ويجري تنفيذه وفق مخطط سياسي مدروس تشارك فيه العديد من الأطراف في مقدمتها أمريكا وإسرائيل والإتحاد الأوروبي واطراف عربية، فالإتحاد الأوروبي قال بأنه يريد كشوفاً تفصيلية في أوجه صرف الأموال التي يدفعها للسلطة الفلسطينية، ويريد التأكد بأنه لا يصرف أي جزء من هذه الأموال على الشهداء والأسرى والجرحى، والإدارة الأمريكية السابقة عندما أفرجت عن الأموال المخصصة للسلطة الفلسطينية، المجمدة لديها، لم تعطها للسلطة مباشرة، بل حولتها لمؤسسات العمل المجتمعي والمنظمات غير الحكومية، وكذلك من أجل إعمار قطاع غزة، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، وفي نفس السياق أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن ان الصندوق القومي الفلسطيني، منظمة غير مشروعة ، لكونه يقوم بدفع رواتب لأسر الشهداء والأسرى، رغم ان الصندوق القومي الفلسطيني، أحد مؤسسات منظمة التحرير، وموجود منذ ستينيات القرن الماضي، ويقوم بصرف الرواتب لأسر الشهداء والأسرى، وفق معايير العدالة والشفافية، وتبع ذلك تقديم عدد من أعضاء الكنيست من الليكود و«البيت اليهودي» لمشروع قرار للكنيست بخصم مبلغ مليار ومئة مليون شيكل من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجيبها حكومة الاحتلال كرسوم عن البضائع الفلسطينية، وتقوم بدفعها للسلطة الفلسطينية، وهذا المبلغ المقتطع يشكل قيمة الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات الشهداء والأسرى وفق حججهم وإدعاءاتهم المضللة والخادعة، وليخرج علينا رئيس وزراء حكومة الإحتلال نتنياهو بتصريحات مغرقة في العنصرية والتطرف، بأن الإمتحان الأول للسلام يمر عبر وقف رواتب الأسرى والشهداء، وعلى نفس الخط والنغمة، كشف النقاب عن ٩ شروط اميركية سيتم بحثها مع الجانب الفلسطيني تمهيدا لزيارة الرئيس عباس لواشنطن وفي مقدمتها وقف صرف رواتب الشهداء والأسرى، وهي شروط مذلة.
بالمقابل ما أن أعلن اسرى شعبنا في «يوم الأسير الفلسطيني» 17/4/2017 ، عن اضرابهم المفتوح عن الطعام، بعد أن وصلت ظروفهم المعيشية والحياتية في سجون الاحتلال حداً لا يطاق، ناهيك عن مسلسل القمع والتنكيل بهم عبر عمليات الدهم والإقتحام والتفتيشات المذلة للكرامة والمنهكة لحرمة الأجساد، التي تقوم بها وحدات قمع السجون الإسرائيلية بمسمياتها المختلفة بحقهم، وما يعانونه أيضاً من حرمان وإهمال للحالات المرضية من العلاج، والحرمان من الزيارات العائلية لعدد كبير من الأسرى، واستمرار مسلسل العزل، ومصادرة حق الأسرى في التعليم الجماعي والتقدم لإمتحانات الثانوية العامة، والشيء الأخطر بقاء سيف الإعتقال الإداري المتعارض مع كل الأعراف والمواثيق والإتفاقيات الدولية كسيف مسلط على رقاب أسرنا، حيث التمديد لأكثر من مرة، بل ولعدة مرات دون أي تهمة محددة، حيث يخضع ذلك لأهواء ومزاجية أجهزة مخابرات الإحتلال، وما تصوغه من حجج ومبررات وذرائع أمنية كاذبة ولا تستند لأي مصوغ وسبب جدي وحقيقي، الخ ، ما أن بدأ الإضراب حتى تجند الإحتلال بكل أجهزته ومستوياته من أجل كسر اضراب معتقلينا، وعدم الإستجابة لمطالبهم، وفق خطط ممنهجة ومدروسة تقوم على بث الإشاعات المغرضة والكاذبة، وكذلك التشكيك بجدوى صمود الأسرى المضربين عن الطعام، أو تحقيقهم لأي من مطالبهم.
وقد وجدنا حملة إعلامية منظمة تنضح بالعنصرية والحقد تجاه أسرانا، ليس فقط من خلال القمع والعزل لمن تعتبرهم إدارات السجون وأجهزة مخابراتها قادة للإضراب والحركة الأسيرة، بل إقتحام أقسام الأسرى المضربين عن الطعام والإعتداء عليهم ، والتصريحات العنصرية من قادة الاحتلال، والتي جوهرها يدعو الى تفعيل عقوبة الإعدام بحق الأسرى، او تركهم يضربون حتى الموت دون التفاوض معهم، عدا عن وصفهم بالقتلة والإرهابيين .
الحرب على الحركة الأسيرة والشهداء مستمرة، وتأخذ منعطفات حادة وخطيرة، ولذلك يجب أن يكون هناك استراتيجية فلسطينية نوعية لمواجهة مشروع تطويع الحركة الأسيرة وكسر إرادتها وتحطيم معنوياتها، فالمسألة في غاية الخطورة، فالهدف من هذه الحرب الشاملة،إزالة اعتراض الحركة الأسيرة وأهالي الشهداء على المشاريع السياسية التي يجري طبخها وتسويقها من اجل تصفية القضية الفلسطينية وتفكيك المشروع الوطني، وكذا تجريم النضال الفلسطيني المشروع من اجل الحرية والاستقلال.
الأسرى والشهداء، هم عناوين النضال والتضحيات الفلسطينية، وهم بوصلة وراية وحماة الثوابت ومرتكزات المشروع الوطني، دفعوا دماً وتضحيات وشهداء في سبيل ذلك، وأفنى الكثيرون منهم زهرات شبابهم خلف جدران وقضبان سجون وزنازين الاحتلال، فهناك أكثر من ثلاثين أسير فلسطيني مضى على وجودهم في الأسر اكثر من عشرين عاماً، فهل يعقل ان يتم التنكر لنضالات وتضحيات هؤلاء الأسرى والشهداء..؟
نحن بحاجة الى استراتيجية نوعية فلسطينية جامعة، تدير معركة الهجوم على الحركة الأسيرة سواء الرواتب او الحقوق بعقل استراتيجي جمعي، يمكن من إفشال مخططات تفكيك وتدمير الحركة الأسيرة، كحركة قائدة لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، فأي نجاح في تصفية الحركة الأسيرة من شأنه تعبيد الطريق نحو مشاريع سياسية خطرة تستهدف الحقوق والثوابت والقضية، فهل نحن كفصائل فلسطينية بمختلف ألوان طيفها السياسي، سنستمر في مسلسل مناكفاتنا الداخلية والمزايدات والتحريض والتحريض المضاد، ام نستشعر الخطر الكبير المحدق بنا.؟