جيمس زغبي - النجاح الإخباري - 1500 أسير فلسطيني يستمرون في إضرابهم عن الطعام منذ أسبوع، في مسعى لتحسين الظروف المعيشية السيئة لنحو 6500 أسير فلسطيني يقبعون حالياً في سجون إسرائيل.
قبل يوم واحد من بداية الإضراب، مروان البرغوثي، القائد الفعلي للإضراب، نشر مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز، كتب بذكاء عن أسباب الإضراب ومطالب الأسرى، وتشمل هذه المطالب: زيادة مدة الزيارة المنتظمة لعائلات الأسرى، تحسين الرعاية الصحية، إنهاء العزل الإنفرادي، إنهاء الاعتقال الإداري ( وهو الاعتقال الفعلي لأوقات طويلة بدون محاكمة أو لائحة إتهام، ويوجد حالياً نحو 500 أسير إداري في السجون)، ووضع تلفون عمومي يمكن الأسير من التواصل مع أهله.
البرغوثي بدأ مقالته بالإشارة إلى أنه أمضى 15 عاماً في السجن حتى الآن حيث " كنت شاهداً على وضحية للاعتقال الجماعي غير الشرعي والإهمال الطبي للأسرى الفلسطينيين"، وأجمل افتتاحية مقالته بالقول " بعد أن جربنا جميع الخيارات الأخرى، قررت أنه لا خيار آخر لمقاومة هذه المعاملة السيئة إلاّ بخوض الإضراب عن الطعام".
إنني كواحد من مؤسسي الحملة الفلسطينية لحقوق الإنسان تعرفت منذ وقت طويل على "نظام العدالة" الإسرائيلي، فمعظم الفلسطينيون يدانون بالإستناد إلى أعترافاتهم تحت الإكراه. ولقد أدانت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان الإنتهاك الإسرائيلي للقانون الدولي وعملية الإدانة التي تفتقر للإجراءات القانونية المناسبة. إن أكثر من 80% من إجمالي الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم لا يسمح لهم بلقاء موكليهم إلا بعد فترات طويلة من الاحتجاز وبعد إنتهاء التحقيق المجحف. في مقاله لنيويورك تايمز يصف البرغوثي هذه الإجراءات الظالمة التي أجبر على مواجهتها هو وبقية الأسرى، ويشير إلى أن 40% من الذكور الفلسطينيين من مجمل السكان مرّوا بتجربة الإعتقال في السجون الإسرائيلية.
ردّ الحكومة الإسرائيلية نفسها على مقال البرغوثي وعلى الإضراب يكشف العقلية التي تسيّرها. الصحيفة وصفت البرغوثي كعضو برلمان وقائد، فسارعت إسرائيل إلى إطلاق حملة لإجبار المحرر على تغيير الوصف والإشارة إلى أن البرغوثي مدان بالقتل وعضو في منظمة إرهابية. لكن لماذا لم تذكر إسرائيل الحقيقة وهي أن اعتقال البرغوثي، ومحاكمته، وإدانته تم رفضها من الاتحاد البرلماني الدولي (IPU) بإعتبارها "خرقاً للقانون الدولي"؟ وبأنها فشل في تحقيق محاكمة عادلة؟، وأكد الإتحاد البرلماني عدم إعترافه بإدانة البرغوثي.
عندما تكون إسرائيل في طريق الحرب وتبذل الجهود لتشويه السمعة فإن الحقيقة غير مهمة. عوضاً عن ذلك فإنها تسعى بالتسلط والتهديد لإجبار الهدف على التسليم بالتشويه، فهاجمت الصحيفة لنشرها ووصفته بأنه "إرهاب صحفي" و"إرهاب إعلامي"، ووصفت مقال البرغوثي بأنه "أخبار ملفقة" و"مليء بالكذب". بل أن سفير إسرائيل السابق في الولايات المتحدة ميشال أورن دعا للتحقيق لمعرفة من هو الشخص المسؤول عن نشر المقال في الصحيفة، بينما ذهب أحد أعضاء الكنيست أبعد من ذلك باقتراح أن على إسرائيل أن تغلق مكتب الصحيفة في إسرائيل.
إسرائيل أسقطت بلاغتها هذه أيضاً على البرغوثي وبقية المضربين عن الطعام، على الرغم من حقيقة أن معظم الفلسطينيين اعتقلو لتهم سياسية ( والعديد من المعتقلين الذي لم يتهموا بأي جرم) كانوا قد وصفوا ب"القتلة المروعين" و"الإرهابيين الخطرين".
في النهاية، خضعت التايمز، وغيّرت وصف البرغوثي بما يتناسب والمطالب الإسرائيلية.
وكما هو بالنسبة للإضراب، فإن إسرائيل وعدت برد قاسِ وبعدم التفاوض. فوضعت والبرغوثي ودائرة القادة في الحبس الإنفرادي، وقال أحد الوزراء الإسرائيليين بأن البرغوثي كان ينبغي إعدامه، بينما قال آخر بأن على إسرائيل أن تعامل الأسرى كمعاملة حماس للمختطفين. وبينما يجري العمل على سن قانون يسمح بالتغذية القسرية للمضربين فإن وزير الدفاع افيغدور ليبرمان قال بأن على الحكومة أن تكون حازمة حتى لو أدى ذلك إلى ترك الأسرى يموتون. في نفس الوقت انطلقت حملة إعلامية غير محقة تدعي أن البرغوثي من خلال تنظيمه للاضراب يسعى فقط لتعزيز وظيفته السياسية وتخريب عملية السلام (وكأن أيأً منهما موجود فعلاً).
ما لا تريد إسرائيل الإعتراف به وتريد التعتيم عليه هو أن معاملتها للفلسطينيين سيئة، فخمسون عاماً من الاحتلال غير الشرعي دفع الشعب الفلسطيني لمقاومة نظام القمع الإسرائيلي العنيف، خلال ذلك تعاملت إسرائيل مع كل مقاومة لنظام القمع الإسرائيلي باعتبارها عمل إرهابي، سواء كان رمي الحجارة على الحواجز العسكرية، أو مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، أو حتى كتابة مقال أو الإضراب عن الطعام، كل مقاومة هي فعل إرهابي.
صحيح أن هناك أعمال قام بها فلسطينيون وتستحق الإدانة، ولكن إسرائيل ليست بريئة من اللوم حتى في هذه الحالة، فعندما تقوم بضرب المدنيين بالقنابل، والقتل الممنهج بحصار غزة وتجويعها، أليس ذلك عمل إرهابي؟ ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وحتى أشجار الزيتون التي عمرت لمئات السنين لم تسلم من التعريف الإسرائيلي للإرهاب !، جذور العنف تنبع أساسياً من الاحتلال غير الإنساني وغير الشرعي ومن الشرور الناتجة عنه.
ما يجب ملاحظته، على أي حال، أن حركة المقاطعة، سحب الإستثمار، وفرض العقوبات (بي . دي. أس) وإضراب الأسرى الجماعي عن الطعام، هي أفعال مقاومة سلمية، وهذا ما ترفضه إسرائيل، لأنه لا يمكن إدانة هذه الأفعال، ولأن إسرائيل تريد السيطرة والتحكم بكل نواحي حياة الفلسطينيين، وأن أي مقاومة لذلك تعتبر من وجهة إسرائيل تهديداً، وأكثر من ذلك، تعتبر فعل إرهاب يستوجب العقاب والقمع، وهذا السلوك الإسرائيلي يغذي المقاومة، وستستمر دائرة العنف والموت هذه حتى تعترف إسرائيل بأن ضحاياها هم بشر حقيقيون ولن يتراجعوا بل سيستمرون في التأكيد على حقوقهم والدفاع عنها.