عاطف شقير - النجاح الإخباري - في العصور السابقة، كان ينظر إلى الهاتف عندما اخترعه العالم الألماني بيل على انه جن أو شيطان والى غير ذلك من المسميات التي لا تستند إلى أي دليل علمي أو واقع ملموس، ويعود هذا الشيء من وجهة تحليلية صرفة إلى ان الناس لما يعهدوا هذا الاختراع من قبل، لانهم دأبوا على التنقل والترحال من خلال الإبل والدواب من اجل تحقيق مبتغاهم في تبليغ تلك القوم بالرسالة والنبأ الذي يريدون، فكان ما يسمى بالرسول الذي كانت مهمته في الدرجة الأساسية تبليغ العشيرة الأخرى بما تريده عشيرته من أوامر ومقترحات وأخبار بشان علاقاتها مع العشائر الأخريات.
أما عندما جاء الهاتف وسط هذا الجهل المطبق فظنوا انه جن أو شيطان وليس شيئاً مادياً يقوم على قواعد علمية ثابتة يمكن الإيمان بها إذا ما دققنا في كيفية صنعه وتكوينه، لكن تلك العقول القديمة الضاربة في أوحال الجاهلية ما فتأت توصم كل مخترع حديث بالجن والشيطان!.
ومما يثير السخط لدى بعض المتسلقين في الدين الإسلامي وصف تلك الجهاز الإلكتروني بأنه رجز من عمل الشيطان، فهذه الدعاوى في الواقع تنم عن عقلية إسلامية متحجرة لم تر ابعد من انفها وهي بالتأكيد لم تعبرعن جوهر الإسلام، فمن يستطيع ان يصف العلم والتقدم واللحاق بركب الحضارة بأنه رجس من عمل الشيطان.
وبالفعل ان تلك العقليات القديمة المتحجرة والتي بلا شك تشكل عبء على الرسالة الإسلامية والدينية بشكل عام يجب ان تهمش ويجب ان تمثل تلك الأوساط نفسها فقط، والدين الإسلامي بريء من تلك الصيحات التي تريد الانتقاص منه ومن رسالته العالمية، فقد كان في عهد الخلفاء العباسيين رحمهم الله يكافئون العالم بوزن كتابه من ذهب تشجيعا لهذا الجهد العلمي والأكاديمي من اجل السير في رفعة الحضارة الإسلامية وتقدمها وازدهارها في مختلف المياديين العلمية.
ليس هذا فحسب، بل ان القران الكريم هو من اكثر الكتب السماوية تحدثاً حول العلم والعلماء، حيث يقول الله جلت قدرته على سبيل المثال لا الحصر (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ).
وفي السنة النبوية المطهرة، يقول المصطفى عليه افضل الصلوات واتم التسليم :(طلب العلم فريضة على كل مسلم ).
أي ان تلك السنة النبوية المطهرة تعتبر طلب العلوم المختلفة فرض على كل المسلمين، فكيف يا ترى تخرج بعض الأصوات باسم الدين وتحرم جهاز الهاتف بهذه السرعة الفائقة دون ان يكون هناك تروي؟.
في حقيقة الأمر، ان جهاز الهاتف ومثله معظم وسائل الإعلام المختلفة هو عبارة عن وسيلة محايدة، وان الذي يستعملها هو الذي لربما يسيء استخدامها في معاكسات البنات او التنصت على مكالمات الغير، وهذا ما يجعل تلك الأصوات الدينية اللجوء إلى تحريم استعمال تلك الجهاز، لكن هذا الأمر ليس الدافع الحقيقي والوحيد الذي دفع تلك العالم إلى اختراعه، فالدافع الحقيقي الذي دفع تلك العالم إلى اختراعه هو توفير الوقت والجهد على بني البشر، إضافة إلى ذلك تقريب المسافات بين الدول البعيدة فبدلا من ان يتعرض البشر إلى مشاق السفر والموصلات، فان تلك الجهاز اليوم ييسر على تلك البشر نقل الرسالة التي يريدونها إلى أقاربهم وأصدقائهم في مختلف أنحاء العالم.
أما فيما يتعلق بجهاز التلفاز، فان الحملة ضده من قبل رجال الدين التقليدين أقسى وامر، حيث يتبارى رجال الدين وبعض المتأسلمين بوصفه بأقبح المواصفات فتارة يقولون عنه انه المفسديون الذي يفسد أخلاق الشعوب والأطفال، وان أخذنا تلك القول على علته فأننا نجد ان مروجي هذا القول يحاولون تعليق أفكارهم على نصف الحقيقة، كأن نقول لا تقربوا الصلاة ولا يكمل بقية الآية وانتم سكارى، وهذا يؤكد الأفكار الذي يأتي بها المتأسلمين في أقاويلهم، حيث يصفون جهاز التلفاز بالمفسد متناسين ان تلك الجهاز عبارة عن أداة خيرة فمستعمله هو الذي يوجهه إما إلى الخير او الشر، فمن كانت تربيته في أسرته تقوم على الفجور والانحلال والتميع فانه سرعان ما ينجر إلى تلك القنوات الهابطة،
ومن كان في أسرته وبيته قد تربى على الأخلاق الحميدة والتقوى والفضيلة فانه يصعب عليه الانجرار إلى تلك المحطات الهابطة.
وللموضوعية، ان تلك الشريحة التي تعودت على الأخلاق الفاضلة والفضيلة، لربما يتأثرون بتلك القنوات الهابطة، فالأمر يعود إلى رب الأسرة الصالحة فهو الذي يستطيع ان يحدد أي القنوات التي يريد مشاهدتها، فعندما يرى رب الأسرة ان تلك القنوات لا تفيد وقد تعرض أخلاق أسرته إلى الفساد والرذيلة فانه لا يتعامل معها، فاصبح عندئذ التلفاز أداة محايدة فهو يقع كاهل المسؤولية على مستخدمه الذي إما ان يقوده إلى الخير او الشر حسبما يملي عليه عقله وضميره الذين تكونا بفعل عوامل التربية الأسرية.
وقد يذهب بعض رجال الدين المتزمتين إلى ابعد من هذا بقولهم ان التلفاز يحتوي على العديد من البرامج السيئة والهابطة، وهذه البرامج تفوق نسبتها البرامج البناءة والخيرة، لهذا لا بد من تحريم التلفاز لان ما نسبته شر وباطل يفوق نسبة الخير والحق في تلك البرامج لهذا لا بد من تحريمه.
فالرد بسيط وعفوي هوان التلفاز كالوعاء الزجاجي على اعتبار انه أداة محايدة فالشي الذي تضعه في الوعاء الزجاجي، هو الذي يحدد شرعية أو عدم شرعية تلك الوعاء، فإذا ما وضع في الوعاء الخمر والبيرة فان تلك الوعاء يكون قد أسيء استخدامه وقد وقع في المحظور، لكن ما لا يمكن ان تتصوره هو ان تلك الوعاء يخرج بعض المحسوبين على الإسلام ويقومون بتحريمه، فكيف يا ترى من يريد شرب الماء والعصيرمن أين يريد شربه من الطنجرة ؟
لا أظن ذلك.
وكذلك الحال، فيما يتعلق بجهاز التلفاز الذي لا يمكن تحريمه إذا ما أسيء استخدامه من قبل البعض، فان في جهاز التلفاز من الفائدة التي لربما تعجز عن طرحه بعض المدارس والجامعات، وان هناك من البرامج الثقافية والعلمية ما يجد المشاهد فيها مراده ومبتغاه .
أما في عصرنا الحاضر، فبدأت تلك الحملات المشبوهة ضد وسيلة الإعلام الرائدة وهي وسيلة الإنترنت، والتي بحق جعلت العالم بأسره قرية صغيرة، وحولته إلى عالم من تدفق المعرفة والمعلومات،
فهذه الصرخة التكنولوجية المعرفية لهي بحق اعظم إنجاز علمي وحضاري تعتز به الأجيال القادمة، لأنها وفرت عليهم الجهد والوقت والعمل.
وقد يخرج بعض المتأسلمين على حساب الدين الإسلامي بالقول ان الغرب أراد بتلك الاختراع تمييع أخلاق الشباب الإسلامي وصهره بالأخلاق الغربية التي تتناسب مع البيئة الغربية والعادات الأجنبية، فالإنترنت كغيره من وسائل الاتصال فيه المفيد والضار، وان الذي يحدد ضرره ونفعه الإنسان المستخدم لتلك النعمة الكونية، ولهذا فانك لا تستطيع ان تحرم جهازاً ما إذا ما أسيء استخدامه من قبل جهة معينة.
فالإنترنت في الحقيقة عالم من تدفق المعلومات، حيث من خلاله يمكنك دخول معظم مكتبات العالم وتصفح بعض الكتب التي تريد، و يمكنك شراء ما تريد عبر الإنترنت كل هذه الفائدة، ويخرج متأسلم بالقول ان جهاز الإنترنت يميع أخلاق الشباب متناسياً الدور الهام التي تقوم به تلك الوسيلة في نشر المعرفة العالمية.
فهذه من جملة القضايا التربوية في التعامل مع الجهاز، تعود بالأساس إلى التربية التي يتلقاها الفرد في الأسرة والمدرسة، فإذا ما كانت سيئة فأنها ستنعكس على التعامل مع مختلف الأجهزة الإلكترونية، فترى تلك الشباب غير المتربي ينساق إلى الأماكن الإباحية في الإنترنت وعبر الأقمار الصناعية من اجل تلبية نزوة جنسية في داخله.
خلاصة القول، ان وسائل الأعلام والاتصال هي نعمة على البشرية جمعاء، وان الذي يخترع تلك الأجهزة لهو بحق علم من أعلام البشرية التي نعتز به على مر العصور، فلا يحق لاحد من المتسلقين في الاتجاهات الدينية التطفل على تلك الاختراعات، لأنها بحق هي الشمعة التي أضاءت للبشرية جمعاء الدرب والطريق القويم، فلا يمكنك ان تقول لي إنني لا أريد ان اسكن الأرض لان إبليس من ساكنيها.