يحيى رباح - النجاح الإخباري - لا نزال نعيش أجواء القمة العربية الثامنة والعشرين التي استضافتها المملكة الأردنية الهاشمية على شاطئ البحر الميت، الذي هو بحر عجيب وتاريخي ومليء بالأساطير التي معظمها لم تكشف بعد، وهي قمة عربية نوعية بمعنى الكلمة، كان حضور الزعماء فيها مميزا من ناحية عدد الحضور قياسا الى القمم العربية السابقة منذ العام 2002 التي غاب عنها الرئيس عرفات، وكان الأعداء من كل مستوى يراهنون على غياب القضية، ولكن الشعب الفلسطيني خيب آمالهم، ومنذ ذلك الوقت حدثت خيبات كثيرة، وعاش الوطن العربي ردحاً من الزمن في مستوى غير مسبوق من الضعف الذي فتح فيما بعد أبواب الفوضى، وهذه القمة تميزت بأنها وعدتنا بالانضباط في علاقاتنا البينية العربية، والانضباط هو طريقنا الى القوة، قوة الرؤية، وقوة الحضور، وقوة القرار، وقوة الأمل، وقوة المستقبل في إطار العمل العربي المشترك.
وقد تبادل الزعماء في قمة البحر الميت الذي سيطرت عليها أجواء إيجابية متفائلة ودرجة عالية من الجدية، وتبادلوا فيما بينهم مصارحات كثيرة وحقائق كثيرة، وأكدوا على ثوابتهم مثل صدارة القضية الفلسطينية ومركزيتها، والتمسك بالمبادرة العربية بكل بنودها وتراتبية هذه البنود دون زيادة أو نقصان، ووجهوا رسائل واضحة ضد العبث والتدخل العدائي، وضد كل أساليب التلاعب من أجل وهم الخلاص الفردي التي يمارسها البعض في السنوات الماضية، فزادتنا ضعفاً وتشتتاً، وأفقدتنا الكثير من الدور والوزن الذي نستحقه في مسار العلاقات الدولية، وكل ما اتفق عليه موعودُ بالنجاح بسبب أنه خلال سنة كاملة سيكون رئيس القمة الثامنة والعشرين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين بمسؤولية المتابعة بما يتوفر لديه من دماثة وحميمية العلاقات مع الجميع وصميمية الدور الأردني في صنع السلامة العربية.
تستحق القمة العربية الثامنة والعشرين، قمة البحر الميت، أن تكون محط الأنظار وتوقعات الأمل لأنها لم تترك شيئاً إلا ومرت عليه، ولم تترك جرحاً إلا وبلسمته، ولا تقصيراً إلا وناقشته، ولا مكمن قوة إلا أشارت إليه، وكان داخل القمة قمم ثنائية متعددة، واحتوت الجميع من القمم الثنائية التي عقدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس محمود عباس أبو مازن والملك عبد الله الثاني وقد رأينا بعض الرؤى تتجسد فوراً في اجتماعات مجلس التعاون الخليجي بعد القمة مباشرة.
لقد بدأنا مرحلة جديدة، عنوانها ضبط الإيقاع في علاقاتنا العربية للسيطرة على الفوضى ومنع الهروب إلى الخيارات السهلة الخائبة، فالشكر للمملكة الأردنية الهاشمية التي استضافت هذه القمة الناجحة وأدارتها بقدر كبير من الكفاءة والأمل.