عاطف شقير - النجاح الإخباري -   ان الإعلام الغربي وعلى وجه الدقة الأمريكي والبريطاني منه يتكيف مع السياسة الداخلية والخارجية للأنظمة الحاكمة، ويكانه اعلام رسمي بكل ما للكلمة من معنى، و يظهر هذا الإعلام أمام العالم انه حر في مضمونه وفكره، وهو في صلب الحقيقة يناقض الإعلام الحر والنقدي الذي يوجه الانتقاد الحر والمساءلة للحكومات اذا ما أرادت ان تتبنى سياسة ما تكون خارج دائرة الصواب والحقيقة، فغالبا ما يتبنى الإعلام الأمريكي سياسة البيت الأبيض الخارجية، ويكانه بوق للاعلام ويكانه يمثل الإعلام الرسمي كما يسود في الدول النامية دون وجود وزارة اعلام، ولكن بثوب أخر هو الحرية الإعلامية، فلماذا اذا تريد الولايات المتحدة بسط الديمقراطية في الشرق الأوسط؟، ألم تدرك ابسط مفردات الديمقراطية وهي الحرية الإعلامية.

البعض يقول: ان الإعلام الأمريكي يتمتع بالحرية الإعلامية الكافية، و هذه هي إرادة المؤسسات الإعلامية في القضايا الخارجية، ورأيها في القضايا المختلفة، أي ان المؤسسات الإعلامية تتناغم مع  الموقف السياسي الأمريكي فيما يخص السياسات الخارجية لاسيما فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، فتتبنى تلك السياسات عن ظهر قلب دون أي مراجعة نقدية لها، ويكانها بوق إعلامي للمؤسسة السياسية والعسكرية الغربية، هذا يجعل الصحافة الحرة تفقد كثير من مهماتها الجليلة، وهو النقد الحر والبناء الذي يقوم على الحقيقة البناءة الصحيحة وليس إلا، فالصحافة تتمتع بدور ريادي في تصويب السياسات العليا بما يخدم صالح الإنسانية جمعاء، وليس ما يتبنى النظام الحاكم مهما كانت وحتى وان كانت حمقاء.

  الإعلام الغربي تبنى فكرة ان النظام العراقي السابق كان يملك أسلحة دمار شامل ويدعم تنظيم القاعدة وفق تقارير المخابرات الأمريكية التي عثرت على وثائق تثبت هذه الفرضية التي لا تستند إلى أي واقع ملموس، وبعد ان جيش الإعلام الغربي أبواقه الإعلامية المختلفة ومبرارته لشن حربه القذرة على العراق وتم اجتياح العراق وثبت بالوجه القطعي بطلان المزاعم الأمريكية التي تدعي ان العراق يملك أسلحة دمار شامل، ومن ثم فرض على العراق الحرب الأهلية بين السنة والشيعة الذين كانوا بالأمس القريب اخوة في الله متحابين، وغدوا اليوم بفعل الفتنة الاستعمارية في العراق متقاتلين يريد الأخر ان يثار من الأخر دون ان يعرف من يوجه ويدير هذه المعركة التي تستهدف حاضر العراق وماضيه، والعراق الان غدا بؤرة للتوترات في الشرق الأوسط بعد ان كان بالأمس القريب ينعم بالامن الداخلي في ربوع أوطانه، رغم كل هذه الفتن التي أشعلتها دول الاستعمار في العراق التي يفترض بها تقديم الاعتذار للمجتمع الدولي عن هذه الجرائم التي تحصل وحصلت في العراق، وسجن ابو غريب لهو مثال من عشرات الأمثلة عن ذلك، لان الأمر جد خطير في العراق ويستدعي من كافة دول العالم الوقوف صفا واحدا لإخماد لهيب النيران في العراق.

 اين دور الإعلام الغربي مما يحدث في العراق سابقا؟، هل حمل المحتل وزر هذه الحرب اللا شرعية واللاقانونية؟.

اقول ان الإعلام الأمريكي إعلام موجه مع السياسة الأمريكية الخارجية ويستقطب الرأي العام الأمريكي والعالمي بما يخدم الرؤى السياسية الأمريكية وليس بما يخدم الإنسانية جمعاء، فهذه المؤسسات تخاف على مؤسساتها من التضيق المالي من الزعامات السياسية التي تتحكم في الاقتصاد وأبار النفط في أمريكا، فمجبورة ان تنصاع وفق سياسة البيت الأبيض والا فقدت الموارد المالية والاقتصادية التي تدر عليها من خلال العمل الإعلاني لتلك الشركات التي خططت للحرب، وتخشى من مالكي هذه الشركات ان يرفضوا التعامل معها لانهم رؤوس الاقتصاد في أمريكا، لهذا فاولى لها حسب المصالح الاقتصادية ان تنجر نحو الربح وليس نحو الخسارة، وهذا يعزز نظرية الإعلام الرأسمالي الذي يأكل حق الضعيف ويضطهده وينال منه دون أي رحمة أو أي إنسانية، فالإعلام الغربي إعلام رأسمالي يدعم القوي والغني صاحب الشركات النفطية، لانه سيدر عليه الأرباح الهائلة أما اذا انحاز إلى فرضية ان العراق لا يملك أسلحة دمار شامل فمن سيدعم مؤسسته الإعلامية؟، بالطبع هذا الإعلام لا يعرف الجوانب الإنسانية فالذي يهمه الربح والخسارة فهي شركات تجارية بحته تتاجر في أرواح الضعفاء والغلابى في دول العالم الثالث من العراق إلى فلسطين إلى أفغانستان وباقي الدول المحتلة.

هذا الإعلام يتبنى النهج الرأسمالي الذي يخدم أرباحه السنوية، فهذه المؤسسات الإعلامية الغربية يفوق رأسمالها بعض الدول النامية فهي تحتكر المعلومة وتساير القوي وسياسته ليغدق عليها الأموال من كل حدب وصوب، فسياستها استقطاب الاستثمارات من كل حدب وصوب من المعلنين ومن الحكومات القوية ومن احتكار المعلومة وغير ذلك من الوسائل الرخيصة لنيل أرباحها على حساب المعلومة الدقيقة والصحيحة، وعلى حساب أرواح الضعفاء في الدول الضعيفة.

لنفترض الفرضية الاتية، ان إحدى المؤسسات الإعلامية الأمريكية خرجت عن طوع سياسة البيت الأبيض وذهب احد الصحفيين البارعين فيها إلى القول، ان العراق خال من أسلحة الدمار الشامل ويكون هذا الصحفي خبير في الشؤون الذرية وجيش الرأي العام الأمريكي إلى ان الحرب في العراق ستكون ظالمة إذا تم شنها، وقام الرأي العام الأمريكي بالضغط على صانعي السياسة الخارجية بعدم شن الحرب على العراق الأمر الذي وفر المئات من الضحايا والخسائر على الشعب العراقي و المئات من الخسائر على الجانب الأمريكي، فمن سيكون الرابح؟. بالطبع هو الحقيقة الدامغة والجانب الإنساني الذي يعتبر من أهم الركائز التي ترتكز عليها مهنة صاحبة الجلالة التي يجب ان تنحاز دائما تجاه الحقيقة وتجاه الحياد والمسؤولية الإنسانية لا اتجاه أحداث تجري هنا أو هناك ويكون لها ردات فعل اكبر من حجمها وتستهدف البريء دون أي سند يدينه ويضعه في دائرة الاتهام سوى الكراهية الشخصية بين الزعماء التي يذهب ضحيتها مئات الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا حول في كل هذه النزاعات.

بالتأكيد سيقول لي الكثير ان الفرضية الأخيرة لا يمكن ان تحدث، لان الهرم الأمريكي يريد شن العدوان على العراق، فما على المؤسسات الإعلامية إلا ان تروج لأفكاره وتحاول إقناع الرأي العام الغربي بشرعية هذا الحرب وأهميتها في محاربة الإرهاب، وسيقوم الجمهور الأمريكي بتأييد هذا العدوان لانه اكتوى بنار أحداث  الحادي عشر من ستيمبر وهذا يجعل الجمهور يؤيد هذه الحرب على وجه السرعة ودون أي اعتراض، هذا هو الواقع الحقيقى والترجمة الواقعية لحال الجمهور الأمريكي في تلك الفترة، ولكن أتسائل أين الباحثين عن الحقيقة؟، اين مؤسسات البحث الأمريكية؟، أين الوثائق الدامغة التي ارتكزت عليها المخابرات الأمريكية لتبرير شن العدوان؟، البعض يقول: ان منظمة الايباك الصهيونية هي التي ضغطت على صانعي القرار الأمريكي لشن العدوان على العراق اثر العداء الصدامي مع تل ابيب دون أي وجه حق، لكن اذا كان هذا الضغط سيؤثر على اضخم قوة في العالم وعلى أقوى رئيس في العالم، فهذا بالتأكيد يحتاج إلى مراجعة من صانعي القرار الأمريكيين، لان حياة الضعفاء والشعوب المقهورة افضل ألف مرة من هذا الضغط الذي لا يستند إلا أي دليل ملموس، وانما يستند إلى آلة الدمار الأمريكية التي عاثت في العراق وأفغانستان دمارا وخرابا دون ان تنال من المذنب، فراح في عرواها البريء ونجا من لهيبها المذنب، و قالت الولايات المتحدة انها تريد تحرير العراق من الدكتاتورية وتريد نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، وبعد هذه الأعوام العجاف، ماذا نشرت؟، انكم نشرت رائحة الموت في أزقة العراق ورائحة الحرب الأهلية النتنة بدل الحرية والديمقراطية، وهل هذه هي الحرية والديمقراطية ايها الإعلام الغربي؟، وكما انكم قلتم اننا ننوي القضاء على تنظيم القاعدة فضربتم قرى بأكملها في أفغانستان فذهب ضحيتها اناس ما لهم ناقة ولا بعير في هذه الحرب، وازداد تنظيم القاعدة قوة عما سبق ايها الإعلام الغربي وانتشر لاول مرة في بلاد الرافدين بعد ان كان العراق محصنا من أي غريب وطريد، فالأولى على الإعلام الغربي ان يحمل الحكومات المستعمرة الحرب على العراق ويطالبها بالاعتذار لشعوبها على تلفيق الأكاذيب لتبرير هذه الحرب الإجرامية، وكما يتحتم على الإعلام الغربي دعوة قادته إلى تقديم الاعتذار إلى الدول المستعمرة واعادة الحرية الكاملة لها، وان تعاهد تلك الحكومات شعوبها بان لا تتدخل في شؤون الدول الداخلية لكي تستطيع تحسين صورتها أمام شعوب العالم الحر.

وان قناة الحرة لا تستطيع تحسين صورة الولايات المتحدة ما لم تقم الولايات المتحدة من رفع يدها عن العراق وفلسطين وأفغانستان وعدم التدخل في لبنان والسودان والصومال، وان تدع الشعوب تختار ما تشاء دون أي تدخل، وتحاول مساعدة الشعوب الفقيرة واخذها إلى بر التقدم والازدهار،عندها تتغير صورة الولايات المتحدة إلى الأحسن والأفضل.