عاطف شقير - النجاح الإخباري - ان أشكال الاعتداء على الرموز الصحفية تتعدد أشكالها وتتنوع أساليبها، تبعا للظرف الذي يعمل به الصحافي أو الإعلامي، ففي حالة الحروب تجد الصحافي يقع فريسة أحد المتخاصمين الذي سيثبت انه الأقوى والمسيطر على ساحة القتال، وهذا ما يجعل الصحفي عرضة لحوادث الاغتيال من قبل المتخاصمين بدعوى ان هذا الصحافي يشجع طرفا على حساب طرف أخر، وهذا ما يجعل الصحافي يدفع أثمانا باهظة نتيجة قيامه بواجبه المهني، ونحن نحسب ان العمل الصحافي ينظر إلى كل جديد واني بغض النظر لمن ينسب، وهذا من أبجديات العمل الصحافي ولا كما ينظر البعض ان يظهر طرفا على أخر أو ان يؤيد طرفا على أخر، لانه يعرض نفسه وحياته للخطر من قبل المتخاصمين، ولا نجد إعلاميا في مؤسسة إعلامية غير حزبية يمكن ان يقوم اعلاميوها بهذا الدور، ولكن هذا غالبا ما يظهر في الإعلام الحزبي الذي يصور أخطاء الطرف الأخر ليؤثر على الجمهور الذي يتوق إلى معرفة الحقيقة دون أي رتوش وتأويلات تحول دون معرفته صلب الحقيقة وليستأثر برضى الجمهور.
وهنا لا بد من وقفة عالمية لما يجري في العراق الذي دفع فيه العديد من الصحفيين أرواحهم قربانا لحرية الإعلام والتعبير، من أمثال طارق أيوب وغيرهم الكثير، مما يعد وصمة عار على جبين القوى المحتلة لارض العراق والتي من ابسط واجباتها حماية المدنيين في زمن الحرب وعلى رأسهم رسل الكلمة الحرة والتعبير الحر، فالأسئلة هنا كثيرة، من يتحمل مسؤولية قتل تلكم الرموز الصحفية بدم بارد؟، وما العمل لحماية حياة الصحفيين وقت الحروب، وما المطلوب اذا قتل الصحافي بدم بارد من خفافيش الليل؟.
ان الذي يتحمل مسؤولية قتل الرموز الصحفية انذاك الجهات المحتلة لارض العراق والتي من ابسط واجباتها توفير الامن والامان للسكان المدنيين الذين لا ناقة ولا جمل لهم في هذه الحروب التي يدفعون ثمنها أثمانا باهظة، ولهذا فعلى قوى الاحتلال حماية الرموز الصحفية من كافة المليشيات التي تريد اغتيال هذا الصوت الحر، وكما يجب فتح ملفات للتحقيق في حوادث قتل الصحفيين في العراق وفلسطين لتحميل الجهات المجرمة وزر هذا العمل الإجرامي الخطير الذي يهدد حرية الكلمة في العالم اجمع و يساهم إلى درجة كبيرة في انتشار ظاهرة التخلف والجهل التي تقوم على الترهيب والتخويف اذا ما حاول رجل ما الحديث فيما يخص الأقوياء في هذا الإقليم أو ذاك، ويجب على قوى الاحتلال ان تعوض اهل الصحافي القتيل، لانها هي المسؤولة عن إدارة الدولة بعد رحيل النظام السابق ولهذا لا بد من رعاية اسرة الصحافي وتقديم العون المادي لهم طيلة حاجتهم إلى هذه المعونة، ولا بد من ان تقوم الدولة المحتلة بكفالة هذه الاسر في كافة متطلبات حياتها واذا ما قامت بذلك فهي تتخلى عن ابسط حقوق الإنسان في ظرف الاحتلال.
وكما ان حماية الصحافي مسؤولية جماعية وفردية على السواء، ولهذا لا بد للصحافي من اخذ احتياطاته اللازمة في مختلف الصراعات، و ان لا يدخل مع طرف على حساب طرف أخر، ويقوم بتجهيز نفسه بسترة واقية وقبعة وقتما يقوم بتغطية أحداث عنيفة حفاظا على حياته، وان يقوم بدراسة الأوضاع الأمنية من مختلف جوانبها في المنطقة التي سيقوم بالتغطية بها لئلا يقع فريسة لاحد الهجمات التي لا ترحم الأخضر ولا اليابس في تلك المناطق، وهذا يحتاج إلى الفطنة من قبل الصحافي والدراية الأمنية الواسعة بطيعة المنطقة وظروفها، وهذا أيضا يقع على عاتق المؤسسة الإعلامية التي تقوم ببعث المراسلين الصحفيين وتوجههم الوجهة الصحيحة التي تؤمن لهم شيئا من الأمن والامان في المناطق التي يقومون بالتغطية الإعلامية فيها، وكما لا ننسى مسؤولية المجتمع الذي يجب ان يخبر المراسل عن أماكن الخطر لان أفراد المجتمع يعرفون المناطق الملتهبة اكثر من غيرهم، لان اهل مكة ادرى بشعابها، وهنا يجب على افراد المجتمع ان يتصلوا بالإعلاميين ويخبروهم عن أماكن الخطر وينصحوهم بالابتعاد عنها حفاظا على حياتهم وحماية لحرية الكلمة.
وكما يجب على المؤسسات الإعلامية رعاية الصحفيين في حياتهم ووقت مماتهم، ويجب ان تقف معهم في مختلف مراحل حياتهم، والا ما الفائدة في تلك المؤسسات التي تبعث الصحفيين إلى الأماكن الساخنة ولا تقوم بتغطية ورعاية اسرهم في حال قتل الصحافي في الميدان لا قدر الله، هنا يجب دراسة الأمر بعناية فائقة ويجب توقيف تلك المؤسسات التي تتخلى عن الصحفيين في حال قتلوا في أثناء التغطية الإعلامية المطلوبة، ويجب إغلاق مقاراتهم لانها لا تقف مع الشموع الإعلامية وقت مصائبها وانما تريد المتاجرة بأرواح الإعلاميين لزيادة أرباحها متجاهلة المعاني الإنسانية السامية التي تتغنى بها كافة المجتمعات البشرية على السواء.
الأمر هنا يحتاج إلى وقفة مع الذات ومسائلة تلك المؤسسات الإعلامية التي تحجم عن مساعدة اسرة الصحافي في حال قتل في أثناء قيامه بواجبه المهني، ولكن يبقى السؤال من سيقيم القانون على تلك المؤسسات في زمن الاحتلال وغياب القانون اذا ما رفضت التعاطي مع أسرة الصحافي؟.
يجب ان يتم التعاطي مع اسر الصحفيين المنكوبة من خلال مؤسسات الصحافة الدولية التي تهتم بحقوق الصحفيين في مختلف أنحاء العالم، في ان توفر هذه المؤسسات الدولية الدعم المادي والمعنوي للصحفيين في مختلف دول العالم ليظهر الصحفيون في العالم جسدا واحدا يتأثر بكل ما يؤثر على أي فرد منه، وهذا يجعل الجبهة الصحفية قوية ومتماسكة لا يمكن النيل منها أو تجاهلها.
لنثني قضية الاغتيال الصحافي التي هي من الجرائم الدولية التي يجب ان تفتح المحكمة الدولية ملفاتها وتقدم المجرمين إلى العدالة الدولية لا سيما في المناطق الساخنة في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها.
ومن الأمور التي تحد من حرية الإعلام والتعبير، وتعتبر من الاعتداءات على حرية الصحفيين قضية الاعتقال الصحفي، ومن ابرز قضايا الاعتقال الصحفي قضية الصحفي تيسير علوني والمصور الصحفي لقناة الجزيرة سامي الحاج الذين تتهمهم سلطات الاحتلال الأمريكي والأجنبي في أفغانستان بالتعاون مع القاعدة وهم براء من هذه التهم التي تنسب اليهم، وهم في الحقيقة كغيرهم من الصحفيين في العالم يبحثون عن السبق الصحفي من اجل الشهرة والبراعة في العمل الصحفي، وهذه من الحقوق الطبيعية لهم لا يمكن لاحد ان يصادر منهم هذا الحق، ولكن ما تريده سلطات الاحتلال معرفة مكان أسامة بن لادن عن طريق الصحفيين الذين اجروا معه المقابلة، ومن المعروف ان عناصر القاعدة تقوم بوضع الستار على عيون الصحفيين لئلا يعرفوا المكان الذي يتواجد به الزعيم السياسي أو العسكري لئلا يتعرض الصحافي لضغوط من قبل قوى الاحتلال التي ستبتز الصحافي وتجبره على الاعتراف عن مكان هذا القائد بالقوة والإكراه علما ان كل المواثيق والأعراف الصحفية لا تجيز لأحد معرفة مصادر المعلومات، وله ان يثبت هذه المصادر اذا ما طلبت منه المحكمة اثر شكوى على الصحافي من قبل الجهة المعترضة.
ان قضية اعتقال الصحفيين تؤرق الرأي العام العالمي لما يجري في غياهب السجون من مصادرة للحقوق الآدمية والإنسانية على السواء، نحن كمفكرين وإعلاميين لا ندعم أي فريق على أخر وانما ندعم حرية التعبير لكل ادمي ولا نجير التهم لمن يخالفنا الرأي فلربما يحمل رأيه شيئا من الحكمة أو الصواب، ولنترك الفكرة التي تقول انت معنا أو ضدنا ونقول تعالوا لنتحاور على مائدة تستوعب كل الأفكار والرؤى بما يخدم الإنسانية جمعاء ولا يظهر طرف على حساب طرف أخر، لان الظلم عواقبه وخيمه حتى وان كان الظالم يملك اعتى سلاح على وجه هذه الأرض، فالحرب ليس حربا من يملك القوى العظمى مع من لا يملكها وانما الحرب أساس من الأخلاق والقيم، فعلى مدى تاريخنا الإسلامي لم تكن هناك حربا من اجل القضاء على من يخالف التعاليم الإسلامية السمحة، وانما هذه الحرب يسبقها دعوة القوم إلى رسالة الإسلام السمحة، فإذا ابوا فان الجيوش الإسلامية تتحرك لنشر الإسلام في تلك المنطقة، فلا يتم خلال هذه الحرب قتل النساء والأطفال والشيوخ وقطع الأشجار وقصف البيوت على رؤوس أصحابها كما يجري في العراق وفلسطين وأفغانستان، وانما تجري الحروب وفق قاعدة عريضة من الأخلاقيات.
ومن الأمور التي تقلق الصحافي قضية التهديد التي يتلقاه من بعض الجهات المتنازعة كان يغطي خبرا لا يروق لإحدى الجماعات فتقوم بتهديده أما بالقتل أو الاعتداء عليه، مما يشل حركة الصحافي ويكبت فكره ويصبح حال الصحافي بين مطرقة الابداع وسندان التهديد والابتزاز، مما يجعل الصحافي يعاني الامرين نتيجة هذا الفلتان الامني ونتيجة غياب القانون لان القوي ياخذ القانون بيده، فمن سيحمي الصحافي اذا ما تم الاعتداء عليه؟، وهل يعقل ان يحمي الصحافي نفسه في هذه الأوقات العصيبة؟. هذه الأوقات من اشد الأوقات خطورة على الصحافي فيجب ان يتحرك بخطى واثقة ونظرة واسعه ليحافظ على امنه الخاص من عبث العابثين.
وزد على ذلك، ربما يتعرض الصحافي إلى الاختطاف مثلما حدث للصحافي البريطاني جونستون في غزه حيث طالبت الجهات الخاطفة بالافراج عن ابو قتادة الأمر الذي يعرض الوضع الفلسطيني لمزيد من التدهور نتيجة هذه الأعمال غير المتوازنة، فلماذا الصحافة يا ترى؟ وهل الصحافة تميل لطرف على حساب طرف أخر؟.