يحيى رباح - النجاح الإخباري - وقعت معركة الكرامة في الحادي والعشرين من اذار عام 1968، وكانت هزيمة حزيران التي تعرضت لها مصر وسوريا والأردن لم يمض عليها سوى اقل من عشرة شهور فقط، حتى ان موشيه دايان وزير حرب إسرائيل كان يكرر مقولاته العبثية التي قال فيها (ان حركة فتح كالبيضة في يدي استطيع كسرها متى اشاء) وكان يقول (انني اجلس في مكتبي بالقرب من جهاز الهاتف، انتظر ان يقرع في أي وقت، لأسمع الزعماء العرب يطلبون الاستسلام بلا قيد او شرط)، لكن الامة العربية كان لها رأي آخر، وجاءت معركة الكرامة التي خاضتها حركة فتح بشكل اساسي، وتحملت قرارها واعباءها الباهضة، وشارك فيها الجيش الأردني ببسالة تفوق التوقعات، اذ ان قرار المعركة كان ابعد حتى من قوانين حرب العصابات، وكان اليائسون الذين يوجد مثلهم في كل مكان وزمان قد انسحبوا من المعركة على اعتبار ان خوضها يعتبر انتحارا، ولكن فتح التي كانت تسعى لتبديد هزيمة حزيران من خلال خلق معطيات جديدة أصرت على القتال ولم تقع ضحية لسيناريوهات الـ "سندروم" المسيطرة، وقد تمخضت معركة الكرامة عن انتصار كبير، لأن نتائجها من الدبابات الإسرائيلية المدمرة، وجثث الجنود القتلى لم يكن بالإمكان اخفاءها، فقد تم استعراضها في عمان وسط حضور شعبي كبير، برغم ان قرار فتح بخوص المعركة كلفها عشرات من القتلى الذين كانوا من عناصر النخبة، وقد استطاع أولئك ان يثبتوا ان عامل القوة متغير في المكان والزمان، فالهزيمة في عام 1967 حل بدلا منها النصر في الكرامة، ومقولات الجنرال الإسرائيلي دايان التحقت بالوهم، وإرادة الحضور القوي أصبحت هي الصمود والتصدي وحرب الاستنزاف التي قادت الى انتصارات تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، التي أعطت شهادة ميلاد أخرى للوجود الفلسطيني في مسيرة البقاء، وتحقيق الأهداف الكبرى.
قبل الكرامة كان الوضع العربي يعاني من اختلالات كثيرة، فجرح الهزيمة كان غائرا ـوالشماتة بين دول المنطقة كانت متبادلة، والدعوات الى اليأس كانت صاخبة، والألعاب الضارة من بعض الأطراف كانت علنية ودون حياء ولو بالحد الأدنى، لكن معركة الكرامة بشهدائها الابطال، ونموذج الصمود الذي اكدوه، وبتضامن ابطال الجيش الأردني معهم، خلق معايير جديدة تعلو فوق صوت اليائسين، ولهذا نحن نحتفل بذكرى الكرامة، لأنها تجسد الوفاء للرؤى الصائبة:- تدحر: الرؤى المرتبكة والعاجزة، وتجسد الوفاء لصورة المناضلين الذي يثقون بأنفسهم مهما كانت مخاطر الطريق.