ناجي شراب - النجاح الإخباري - ذكرنا القمة العربية التي ستعقد في عمان هذا الشهر في أعقاب اعتذار اليمن بسبب الحرب الدموية التي يشهدها ، بقمة عمان 2001 والتي تشبه ظروف انعقادها الى حد كبير ظروف وملابسات عقد القمة الحالية من حيث سيادة روح عدم التوافق العربي ، وغلبة المصالح القطرية الخاصة على مقتضيات الأمن القومي العربي ، وقمة عمان عام 1987 والتي عقدت تحت شعار قمة الوفاق والإتفاق، والتي يأمل الأردن بما له من دور توافقي بين الدول العربية من إستحضار هذه القمة وتكرارها ، وتحقيق قدر من النجاح للعديد من الملفات المصيرية التي تواجه بقاء الأمة العربية من عدمه. إلا إن هذه القمة والتي تأتي أيضا بعد قمة نواكشوط عاصمة موريتانيا في 25/7/2015 والتي إحتضنتها أيضا بعد إعتذار المغرب عن عقد القمة السابعة والعشرين إقتناعا بعدم جدوى القمة ، وعدم قدرتها على الوصول لقرارات حاسمة لمعالجة الملفات العربية وخصوصا ملف القضية الفلسطينية والقدس. قمة عمان تعقد في ظل تحديات مركبة ومعقدة ومتشابكة ، فهي تعقد في أعقاب فشل قمة نواكشوط في حل أي من الملفات العربية ، وبالتالي يحال هذا الفشل، وهذه الملفات الى قمة عمان.ويأتي إنعقاد هذه القمة في أعقاب وصول الرئيس ترامب وإعلانه عن تحالف إسرائيلي لا يخترق، وفي سياق تهديداته لإيران وإستئصال داعش، ومطالبة الدول العربية بالسلام الإقليمي مع إسرائيل ، وتحمل ثمن السياسة الأمريكية . وتأتي في ظل تحولات في النظام الدولي وبنية القوة الدولية والإقليمية وبروز دور روسيا الطامحة لإعادة دورها الإقليمي من خلال الإنغماس المباشر في ملفات المنطقة كالملف السوري واليمني والليبي ، وعلاقاتها التحالفية مع إيران وتركيا، وبروز دور إيران وزيادة تغلغلها في شؤون المنطقة وحلمها القومي للوصول لسواحل البحر المتوسط، وتثبيت النفوذ الشيعي ، والدور التركي الطامح للعودة لدور الإمبراطورية العثمانية وكل هذا على حساب الدور العربي الغائب والمغيب، ومظاهر الخلافات بين دوله الرئيسة وخصوصا العلاقات السعودية المصرية الضرورية لإستعادة النظام العربي عافيته. وتبقى القضية الفلسطينية القضية المحورية التي تفرض نفسها على اجندة القمة العربية وكل القمم السابقة ، لكن هذه المرة القضية تتعرض لإنقسامات وخلافات فلسطينية لا بد من موقف عربي حاسم منها، ومن إستيطان وتهويد إسرائيلي ليدفن معه كل إمكانية لتنفيذ حل الدولتين، والموقف من نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب للقدس، والحديث عن السلام الإقليمي بين إسرائيل والدول العربية ، القمة مطالبة وبشكل فاعل في تحديد مواقفها من كل هذه القضايا ، وخصوصا ما تروج له إسرائيل لفكرة الوطن البديل في الأردن ، والدولة المؤقتة في غزة. وإلى جانب هذه التحديات والملفات العويصة تمدد الإرهاب والجماعات المتشددة في كل المنطقة ، وقضية اللاجئين السوريين في الأردن البلد المضيف المثقل بهذا الملف، والذي أصلا يواجه تحديات إقتصادية وسياسية وأمنية كبيرة . وتأتي هذه القمة في ظل توجهات شعبوية عربية تطل برأسها على حساب العروبة التي تحت شعارها يجتمع الكل. ومطالب بإستعادة روح العمل العربي المشترك ، وإستعادة هيبة الجامعة العربية ودورها ،والتحول بها من جهاز بيروقراطي إلى جهاز سياسي له حضوره وتأثيره في الدفع بالعمل العربي المشترك خطوات أكبر نحو الإندماج والتكامل. هذه القمة تعقد في ظل تحديات اكثر جسامة وخطورة تواجه الدول العربية ذاتها، فمعظم جيوش الدول العربية منشغلة في حروبها الداخلية ومستهدفة ، وفي ظل تحديات إقتصادية ومالية تعصف بالقدرات المالية للدول العربية ، وفي ظل تراجع لأسعار النفط، وفي ظل تحديات تطال مستقبل العديد من انظمة الحكم العربي الأمر الذي يدفع بها نحو تغليب مصالحها الخاصة على أي عمل عربي مشترك. هذه التحديات تفرض عقد قمة عربية لها حضورها الإقليمي والدولي ، وهنا يقع الدور الأكبر على الأردن وقيادته التي يمكن ان تقوم بدور توافقي بين العديد من الدول العربية ، وتحقق إختراقا في العديد من الملفات ، وأهمها ملف المصالحة السعودية المصرية والمتوقع ان تتحقق هذه المصالحة ، وتحقيق تقدم في الملف الفلسطيني ، والتأكيد على حل الدولتين ، والرفض القاطع لفكرة السلام الإقليمي دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة . ومن الملفات التي ينتظر ان تشهد تقدما ملموسا الملف السوري، ومحاولة إستعادة الدور العربي فيه، إلا إن هذا الدور المأمول من الأردن وقيادته يحتاج لدعم إقتصادي وسياسي للاردن الذي يواجه تحديات داخلية كبيرة . ولا ننسى ان الدور الأردني لا يقتصر على رئاسة دورية للقمة ، بل يمتد لسنة كاملة يمكن من خلالها تفعيل لجان العمل العربي المشترك ، وإيجاد حلول للعديد من الملفات والقضايا التي تعصف بوجود الجامعة العربية . التحديات كثيرة ، وعوامل الفشل كثيرة ، ولكن توافر الحد من الإرادة العربية المشتركة كفيل بإستعادة الحيوية للمتغير العربي ، ودور مؤسسة القمة العربية.