النجاح الإخباري - قديما قال الخال عبد الرحمن الأبنودى "الصعيدى مش عمة وبق معوج" وذلك تعليقا منه على حال المسلسلات التى تتناول الحياة فى الجنوب، خاصة أن مسلسلات الصعايدة اعتمدت على العمة وإعوجاج الفم فى الكلام، وكأنهم مخلوقات من عالم آخر.
المسلسلات التى تدور فى الصعيد دائما ما كانت جزءا مهما من الدراما المصرية خاصة فى شهر رمضان المبارك، ولعل مسلسلا مثل "ذئاب الجبل" كان أحد تلك المسلسلات التى جسدت المسكوت عنه فى المجتمع الصعيدى، وأظهر أبطال المسلسل قدرات هائلة فى تقديم شخصية الرجل الصعيدى، جعلته متواجد فى قلوب وذاكرة المشاهدين رغم مرور نحو ثلاثة عقود على عرضه.
ومن يعرف الصعيد ويعلم خواصه، يعلم تعدد لهجات ولكنات أهل الجنوب، فكل محافظة من إقليم الصعيد، بل إن كل مدينة وقرية داخل الإقليم تتميز بلهجتها الخاصة، وأحيانا تكون تلك اللهجة هى التى تميز كل قرية، ومن خلالها يتمكن البعض من تحديد هوية الشخص الذى يتحدثون إليه، فلهجة المنيا غير لهجة سوهاج غير لهجة قنا.
وفى سباق رمضان الحالى، يقدم النجم أحمد السقا، أحدث أعماله الدرامية بعنوان "ولد الغلابة" والذى يدور حول رجل صعيدى يدعى "عيسى" يعانى من الفقر، يضطر للعمل فى مهنتين بسبب الظروف المادية التى يتعرض لها خلال الأحداث، وتقع أحداث المسلسل فى مدينة ملوى بمحافظة المنيا.
الغريب أن المسلسل وبعيدا عن قصته المستهلكة وتكرر تيمته السردية، والتى تكاد تتشابه مع مسلسلات أخرى عرضت الفترة الأخيرة، مع اختلاف المعالجة الدرامية لكل منها، وقع فى فخ اللهجة الكارثى، فكل المشاركين فى المسلسل يتحدث كلا منهم لهجة مختلفة تماما عن التى يتحدث بها الآخر، فتجد اللهجة القناوية فى مشهد واحد مع لهجة سوهاجية، وترى آخرين مفردات حديثهم مزيجا بين اللهجتين العامية القاهرية واللهجة الصعيدية، دون أى مراعاة لطبيعة اللهجة التى تتميز بها مدينة ملوى ومحافظة المنيا بالتحديد، وهو ما يوضح غياب المراجع اللغوى واستسهال صناع السيناريو والحوار، وغياب الرؤية الصحيحة للنص الدرامى.
الأمر اللافت أيضا هو اللهجة التى يتحدث بها الفنان أحمد السقا فى المسلسل، والتى تتطابق تماما مع لهجته التى كان يتحدث بها فى فيلم الجزيرة بجزأيه، رغم أن الفيلم مفترض تدور أحداث فى النخيلة وهى قرية من قرى محافظة أسيوط، والتى تختص بلهجة مختلفة عما تتحدث بها قرى ملوى التى تدور فيها أحداث المسلسل كما ذكرنا سالفا.
"السقا" أيضا لم يقع فى فخ استخدام اللهجة فقط، بل إن أسلوب الحديث وارتفاع نبرة الصوت فى حديثه كانت مماثلة حد التطابق، رغم أن طبيعة شخصية منصور الحفنى فى فيلم الجزيرة، تسمح بذلك كونه أحد أعيان الصعيد، والمتحكم فى مصائر الجزيرة، وتصل سطوته حد مخاصمة الجهات الأمنية، بينما شخصية "عيسى" فى مسلسل "ولد الغلابة" تجسد الشخص المنكسر الذى تعانده الأيام ويضطر للعمل فى أشياء لا يرغب بها مثل الاتجار بالمخدرات.
المسلسل كشف عيب الاستسهال الذى ضرب الدراما فى سنواتها الأخيرة، وغياب النص الجيد الذى تكون من أهم عناصره مهمة إجادة اللهجة الصعيدية الصحيحة، ويجعلنا نتحسر ونحن نشاهد المسلسلات العربية ونراها تستعين بمراجعين اللهجات الذين يحددون اللهجة وطريقة إتقانها وأدائها.