وكالات - النجاح الإخباري - يثير التحول السريع لساحة بناء في ضواحي الرياض إلى مركز لتنفيذ سعي السعودية لإنتاج الطاقة النووية، قلقا في الكونغرس الأمريكي واستياء في طهران.
وقال المدير السابق لعمليات التفتيش النووي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، روبرت كيلي، إن الصور الجديدة التي تم الحصول عليها من الأقمار الصناعية، تدل على أن عملية بناء المفاعل النووي التجريبي في السعودية تجري بوتائر سريعة، وذلك بعد مرور 3 أشهر فقط على إعلان السعودية خططها لبنائه.
وعبر كيلي عن اعتقاده بأن هذه الدولة قد تنهي بناء أول مفاعلها النووي خلال فترة تمتد ما بين 9 أشهر وسنة.
وكانت السعودية أعلنت أكثر من مرة أن برنامجها يحمل طابعا سلميا، وذلك بالرغم من تصريح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، العام الماضي الذي أعلن فيه أن السعودية في حال إنتاج قنبلة نووية في طهران ستعمل نفس شيء بأسرع ما يمكن.
والأمر الذي يثير قلقا بين الخبراء وأعضاء الكونغرس الأمريكي هو المطالبة الملحة للسعودية بمنحها السماح لإنتاج الوقود النووي الخاص بدلا من استيراده تحت الرقابة الشديدة.
وقال وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، في حديثه العام الماضي أنه من غير الطبيعي بالنسبة للسعودية استيراد اليورانيوم المخصب لمفاعلاتها من الدول الأخرى، مشيرا بهذه الصورة إلى احتياطات اليورانيوم الكبيرة الموجودة داخل البلاد.
وأعلنت السعودية عن طموحاتها النووية منذ 9 أعوام، لكن تحقيقها بدأ في إطار تنفيذ مشروع "رؤية 2030" لولي العهد السعودي، والذي يهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني. ويقضي هذا المشروع بتطوير مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتلبية الاحتياجات الداخلية. كما تخطط السعودية لزيادة إنتاجها للطاقة النووية إلى 17 غيغاواط بحلول عام 2040 لتلبية 15% من احتياجاتها الداخلية من الطاقة.
ونقلت قناة "CNN" عن روبرت كيلي، أن المفاعل النووي التجريبي الذي يجري بناؤه في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، مخصص لتدريب العلماء السعوديين.
وقال: "إن حجمه يساوي حجم سلة النفايات، وليس له أي أهمية استراتيجية".
وأشار إلى أن السعودية تخطط بعد ذلك لبناء مفاعلين تجاريين وتبحث حاليا عن الشركات لبنائهما. وأعلنت السلطات السعودية أنها تختار حاليا شركة " Westinghouse" الأمريكية وغيرها من الشركات الصينية والروسية والفرنسية والكورية الجنوبية. كما وقعت الرياض مع الشركة النووية الوطنية الصينية اتفاقية حول البحث عن احتياطات اليورانيوم في أراضيها.
وأرسلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في يوليو الماضي بعثة خاصة إلى السعودية لبحث مسألة تطوير بنيتها التحتية النووية. وتوصلت البعثة إلى استنتاج أنه توجد لدى المملكة "كل الإمكانيات لتحقيق خططها لبناء أول محطة نووية لها" على أساس علاقات الشراكة الموجودة بينها وبين الدول التي توجد فيها الطاقة النووية.
من جانبه أكد نائب المدير العام للوكالة، ميخائيل تشوداكوف، أثناء زيارته إلى الرياض في يناير الماضي أن السعودية حققت نجاحات كبيرة في تطوير بنيتها التحتية النووية، غير أن الانتقال إلى المرحلة الجديدة، وخاصة تزويد المفاعل النووي في مدينة الملك عبد العزيز بالوفود يستوجب من الرياض الموافقة على المشاركة الأكثر نشاطا من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال كيلي: "عليهم أن يوقعوا عددا من الوثائق الجدية والموافقة على إجراء أعمال التفتيش، إذا رغبوا في شراء الوقود النووي".
ويأتي ذلك في ضوء ازدياد شكوك أعضاء الكونغرس الأمريكي في أن السعودية قد تكون شريكا موثوقا به، وخاصة على خلفية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في اسطنبول العام الماضي. وتتركز الجهود الأمريكية حاليا على البحث المفصل للبرنامج النووي السعودي وخاصة مع الأخذ بعين الاعتبار أن إدارة الرئيس ترامب تعمل ما بوسعها لضمان نظام عدم الانتشار النووي.
وردا على سؤال صحفي فيما إذا كان من الممكن أن تصبح السعودية دولة نووية قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في حديثه لقناة "CBS" الأمريكية، الجمعة الماضية: "لن نسمح بذلك. لن نسمح بأن يقع ذلك في أي مكان في العالم". وأضاف: "يفهم الرئيس (ترامب) خطر الانتشار... ولن نسمح لهم بتهديد إسرائيل والولايات المتحدة بالأسلحة النووية".
وكان قرار الحزبين الأمريكيين الذي تم عرضه في مجلس الشيوخ في فبراير الماضي يدعو لأن يتم استخدام كل التكنولوجيات الأمريكية في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية في السعودية بشرط وجود ضمانات بعدم تخصيب الرياض لليورانيوم أو تحويل الوقود النووي المستخدم.
وحذر وزير الطاقة الأمريكي، ريك بيري، أثناء المناقشات الشديدة في لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ في مارس الماضي أن السعودية في حال رفض الولايات المتحدة للتعاون معها في هذا المجال، ستستعين بروسيا أو الصين لتطوير مجالها النووي.
وقال: "يمكنني التأكيد لكم أن هاتين الدولتين لن تهتمان بعدم الانتشار"، مضيفا: "لذلك بالذات نواصل العمل بشكل جدي من أجل جذب الدول التي ترغب في تطوير برامجها النووية السلمية للتعاون مع الولايات المتحدة، إذ أننا نتمسك بعدم الانتشار".
كما أكد بيري أن وزارته وافقت على عدد من طلبات الشركات الأمريكية لبيع التكنولوجيات النووية ومساعدة السعودية، مشيرا إلى أن هذه الشركات لا تقوم بتسليم الوقود والمعدات والعناصر النووية للسعودية.
أما طهران فتتهم إدارة ترامب بخططها لبيع التكنولوجيات النووية للسعودية دون ضمانات كافية.
وكتب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في فبراير الماضي: "كان هناك في البداية مقتل الصحفي السعودي.. ويكشف البيع غير الشرعي للتكنولوجيات النووية الأمريكية للسعودية الآن النفاق الأمريكي بالكامل".
واتهم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في مارس الماضي بعض الدول الإقليمية التي لم يذكر بالاسم بوضع "مشاريع نووية مشبوهة"، الأمر الذي قد يجبر طهران على إعادة النظر في استراتيجيتها الدفاعية، على حد قوله.
ومهما كانت الاستراتيجية السعودية في مجال الطاقة ووعودها المخلصة بعدم نيتها لإنتاج الأسلحة النووية فإن مجرد وجود برنامج نووي لدى السعودية سيؤدي حتما إلى تصعيد حدة التوتر في منطقة الخليج العربي.