وكالات - النجاح الإخباري - لا تزال قضايا الحريات وفتح المجال السياسي، محل جدل بين أحزاب الموالاة ونظيرتها في المعارضة، حيث تسود نظرة مختلفة لواقع ما يجري في البلاد، في وقت تشترك هذه الأحزاب نسبيا في التحذير من المخاطر الخارجية التي تهدد أمن الجزائر.
في قراءة للوضع العام، قال يوسف أوشيش، الأمين الأول لجبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في الجزائر، إن “السياق الوطني الحالي يبقى صعبا بالنظر للإغلاق المستمر للمجال السياسي وللخنق المحكم لكل صوت يمتلك رؤية مخالفة”، وهذا ما يخدم بحسبه “المغامرين أيا كان موقعهم الذين من مصلحتهم إدامة التصحير السياسي للمجتمع ومنع انخراط الجزائريين في تسيير شؤونهم العامة”.
وأوضح أوشيش في ندوة صحافية، أن تجسيد التغيير المستعجل الذي تحتاجه البلاد والذي للأسف تأخر الشروع فيه، لا يمكن أن يكون من دون انخراط حر وواعي لمواطنينا، مشيرا إلى أن “الإرادة المعلنة لتصحيح الوضع من الناحية السياسية والاقتصادية لن تكفي خاصة مع ما نعيشه من حصار سياسي وأمني مفروض على بلادنا، فوحده مجتمع حر ومنظم يتيح قيام نظام حكم راشد وفعال”.
واعتبر المسؤول الحزبي أن الجزائر اليوم بحاجة إلى نخبة سياسية حقيقة قادرة على تقديم مشروع مجتمع جدي، فالتحولات العميقة التي يعيشها العالم الدافعة إلى القلق وعدم اليقين والحاملة لكل المخاطر السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، تتطلب نسج وساطات قوية داخل المجتمع.
وبخصوص تحديات الوضع الدولي، أبرز أوشيش أن حزبه يتشارك مع الغالبية العظمى من المواطنين طموح جعل الجزائر قوة إقليمية على الساحة الدولية، مستطردا: “لكن هذا الطموح لا يتلخص فقط في التوفر على مكامن القوة العسكرية، بل أيضا في قوة اقتصادنا، وانفتاحنا المجتمعاتي وفي إشعاعنا الثقافي والحضاري”.
وشدد أوشيش على أنه يمكن للجزائر لعب دور مهم في ظهور عالم جديد أكثر مساواة، بالتركيز على منطقة نفوذها وتأثيرها، مشيرا إلى أن “الاضطرابات الجيوسياسية العميقة تسمح بالرغم من حملها لمخاطر كبيرة على السلم والأمن العالميين، بإمكانية بروز عالم متعدد الأقطاب، أكثر توازنا وأكثر عدالة”.
ووعد مسؤول القوى الاشتراكية في ظل كل هذه التحديات، بأن يستمر حزبه في “تقديم وترجيح خطاب مبني على أسس الدفاع عن الدولة الوطنية، السيادة الوطنية، الديمقراطية، دولة القانون، الحريات الأساسية والعدالة الاجتماعية”، مع معارضة “التسيير الأحادي لشؤون البلاد ومواجهة التطرف أيا كان مصدره والذي تحت ذريعة معارضة السلطة يريد وضع الدولة محل تهديد”.
في مقابل هذا الخطاب، أكد أبو الفضل بعجي، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، أكبر تشكيلة سياسية في الموالاة، دعم مبادرة “لم الشمل” التي دعا إليها الرئيس عبد المجيد تبون، معتبرا أن المصلحة الوطنية هي “القاسم المشترك الذي يجمع كل الجزائريين والتي تذوب من أجله كل الخلافات”.
وذكر بعجي في ندوة صحافية بمقر حزبه في العاصمة، أن “لمّ الشمل هي من صميم التزامات رئيس الجمهورية مع الشعب كما ترمي لبناء الجزائر الجديدة بعيدا عن الإقصاء والتهميش إلا من أقصى نفسه بنفسه وأدار ظهره للوطن واحتمى بأعداء الشعب”.
وأضاف أن “المصلحة الوطنية هي القاسم المشترك الذي يجمع الجزائريين والذي يسمو على كافة المصالح وتذوب لأجله كل الخلافات، خاصة إذا كان المقصود بها تعطيل بناء الجزائر التي يتطلع لها الشعب أو التأثير على مواقف بلادنا الداعمة لقضايا التحرر”.
وخلافا لتشكيك المعارضة في مصداقية الانتخابات السابقة، أبرز مسؤول جبهة التحرير أن “الجزائر استكملت بناء مؤسساتها الدستورية بالقوانين الشفافة والإرادة الشعبية السيدة، وكلنا أمل أن تتجسد الإرادة الصادقة في لم الشمل وتقوية اللحمة الوطنية وبناء جبهة داخلية متينة تكون سدا منيعا للجيش الوطني الشعبي في مواجهة ما قد تفرزه الأزمات المحيطة ببلادنا”.
ولا تزال مبادرة الشمل التي طرحت باسم الرئيس تبون في أيار/ مايو الماضي، محل جدل في الساحة السياسية حول المقصود بها، حيث اختلفت التفسيرات حول ما إذا كان يراد بها الالتفاف حول خطة اقتصادية لتغيير سياسة الدعم التي قد تواجه باضطرابات اجتماعية، وبين من يرى أن الغاية منها سياسية لإزالة الاحتقان في البلاد.
وفي أغسطس الماضي، ذكر بيان لمجلس الوزراء أن الرئيس تبون أمر بخصوص مشروع قانون لم الشمل، تعزيزا للوحدة الوطنية، بإعادة النظر في مشروع هذا القانون وحصر الفئة المستفيدة منه فيما تبقى من الأفراد الذين سلموا أنفسهم، بعد انقضاء آجال قانون الوئام المدني. ويبدو مفهوم لم الشمل الذي انخرطت فيه أحزاب الموالاة أوسع من القانون الذي يجري التحضير له والذي يمثل امتدادا لقانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية اللذين استهدفا عناصر الجماعات المسلحة في الجبال للكف عن الأعمال الإرهابية.