وكالات - النجاح الإخباري - قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. صدق الله العظيم.
نعمة عظيمة
من النعم التي أنعم الله بها على عباده وأفاض بها عليهم، والتي تستوجب منهم حمداً وثناءً وشكراً، هي عندما أذن الله لعباده بأن يدعوه ويناجوه، وأن يطلبوا منه حاجاتهم، ويبثّوا إليه همومهم وشكاواهم، ويطرحوا عليه مشاكلهم من دون وسيط أو شفيع، وبدون أيّ حواجز.
وهو وعدهم إن هم دعوه أن يستجيب لهم، من دون أن يميّز بين كبير وصغير، وغنيّ وفقير، ومؤمن وفاسق.
هي نعمة عظيمة، أن يتمكَّن العباد من التّواصل مع ربهم وخالقهم، وأن يجدوا لديه الحضن الدّافئ والملاذ الآمن والعون والاستجابة.
وقد أشار الإمام زين العابدين (ع) إلى هذه النّعمة، عندما قال: "الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني، والحمد لله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلاً حين يستقرضني... والحمد لله الذي أناديه كلّما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسرّي بغير شفيع فيقضي لي حاجتي. الحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره، ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي. الحمد لله الّذي أرجوه ولا أرجو غيره، ولو رجوت غيره لأخلف رجائي. الحمد لله الذي وكلني إليه فأكرمني، ولم يكلني إلى النّاس فيهينوني، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي تَحَبَّبَ إِلَيَّ وَهُوَ غَنِيُّ عَنِّي، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لاذَنْبَ لِي، فربي أحمد شيء عندي وأحقّ بحمدي"..
وقد أشار الإمام عليّ (ع) إلى أهمية هذه النعمة في وصيّته لولده الحسن (ع): "اعلم ـ يا بنيّ ـ أن الذي بيده خزائن السّماوات والأرض، قد أذن لك في دعائك وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه... ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمه"..
من آثار الدّعاء وفوائده
وقد أشارت الأحاديث إلى الآثار التي يتركها الدّعاء، فقد ورد عن رسول الله (ص): "ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: تدعون ربَّكم باللَّيل والنَّهار، فإنَّ سلاح المؤمن هو الدّعاء".
وفي الحديث عن عليّ (ع): "الدّعاء ترس المؤمن".
وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال لأحد أصحابه: "هل أدلّكم على شيء لم يستغن عنه رسول الله (ص)؟ قلت بلى، قال: الدعاء يردّ القضاء وقد أبرم إبراماً".
وفي الحديث: "ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء".
وقد ورد عن رسول الله (ص): "ما من مسلم دعا الله تعالى بدعوة ليس فيها قطيعة رحم، ولا استجلاب إثم، إلا أعطاه الله تعالى بها إحدى خصال ثلاث: إمّا أن يعجّل له الدّعوة، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يرفع عنه مثلها من السّوء".
وفي الحديث عن الإمام زين العابدين (ع): "المؤمن من دعائه على ثلاث: إمّا أن يدّخر له، وإمّا أن يعجل له، وإمّا أن يدفع عنه بلاءً يريد أن يصيبه".
ولا تقف أهميّة الدعاء عند طلب الحاجات ودفع البلاء، بل هناك فوائد أخرى للدّعاء.. فقد اعتبره الله سبحانه وتعالى عبادة، بل من أفضل العبادة، فهو يُعمّق تواصل الإنسان مع ربّه، وإحساسه بالعبوديّة له، والافتقار إليه، والتطلّع إلى رحمته وكرمه.. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم عندما قال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
وهذا ما أشار إليه الحديث، فعن الإمام الباقر (ع): إنّ الله عزّ وجلّ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} قال: هو الدّعاء، وأفضل العبادة الدعاء".
وورد في الحديث: "أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ في الأرض الدّعاء"، "ما من شيء أحبّ إلى الله من أن تسأل"..
السّعي مع الدّعاء
ولكنّ الله حين يحثّ الإنسان على الدعاء، وأن يتوجّه بطلباته إليه، فهذا لا يعني أن يضع الأمور عنده ويكفّ عن السعي والعمل وبذل الجهد، فالدعاء ليس بديلاً من كل ذلك، فاستجابة الدعاء تحصل بعدما يقوم الإنسان بكلّ ما يترتب عليه من مسؤوليّات تجاه ما يدعو به.
ولذا، ورد في الحديث: "أربعة لا يستجاب لهم: رجل جالس في بيته يقول: اللّهمّ ارزقني، فيقول له الله: ألم أمرك بالطّلب؟ ـ فعليك أن تسعى وأنا أساعدك ـ ورجل كانت له امرأة فدعا عليها فيقال له: ألم أجعل أمرها بيدك؟ ـ فأنت إن لم تردها قادر على طلاقها ـ ورجل كان له مال فأفسده فيقول: اللّهمّ ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالاقتصاد؟ ألم أمرك بالإصلاح؟ ورجل كان له مال فأدانه بغير بيِّنة، فأكل عليه من استدان منه ماله، فيقال: ألم أمرك بالشهادة؟".
وفي الحديث: "لتأمرّن بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليسلّطنّ الله عليكم شراركم، ثمّ يدعو خياركم فلا يستجاب لهم"..
إذاً، لن يستجيب الله دعاء البطالين أو الجالسين في بيوتهم ينتظرون من الله الفرج، أو أن يرزقهم أو ينصرهم أو يعزّهم أو يغيّر سوء حالهم أو يساعدهم... هؤلاء لن يستجيب الله لهم، ولن يكونوا بعينه، بل سيقول لهم قوموا بما عليكم وأنا أساعدكم عليه.
ولذا، نجد الأنبياء، رغم قربهم من الله سبحانه، ما كانوا يدعونه إلا وهم في ساحة السّعي والعمل والجهاد.
كيف ندعو الله؟!
وأمّا كيف يدعو الإنسان ربّه؟ فلا بدَّ حتى يصل الدعاء إلى الله، أن يتوجّه الإنسان بقلبه إليه، فالله لا يقبل دعاء قلب لاه ولا ساه.
وأن يدعو وهو واثق بالله، وأنَّه هو وحده من يملك تغيير حاله وحلّ مشاكله.
وأن يدرك أنَّ الله الّذي لا يعاجل الناس بالعقوبة لحكمة منه، قد لا يعاجله بالعطاء والنعمة لحكمة أيضاً.. فهو إن لبّى طلبات الإنسان فلخيره، وإن لم يلبّها فلخيره أيضاً، فهو أدرى بالمصلحة وأحرص على عبده من نفسه.
وأن يدعوه بلسان غير بذيء وبقلب نقيّ...
ارتباط بين الصّيام والدّعاء
أيُّها الأحبَّة: لقد اقترن ذكر هذا الشّهر المبارك بالدعاء لله، وهذا ما نجده واضحاً في القرآن الكريم، فعندما تحدَّث الله سبحانه وتعالى عن فريضة الصّيام من الآية 183 إلى الآية 187 من سورة البقرة، نجد آية الدّعاء: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، تتوسّط آيات الصوم، ما يؤكّد ذلك الارتباط العضوي الوثيق بين عبادة الصيام وعبادة الدّعاء، وقد جاءت الأحاديث التي أشارت إلى أهميّة الدعاء في شهر رمضان كثيرة، حيث ورد عن رسول الله (ص) في خطبته في آخر جمعة من شهر رمضان، قوله: "أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب...". وقد ورد في الحديث: "ثلاثة لا تُردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصّائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم".
وفي الحديث: "إنَّ للصّائم دعوةً عند الإفطار لا تُردّ"، حيث يقول الله للعبد الذي عانى من الصّيام ظمأً وتعباً وجهداً، عند الإفطار: ماذا تريد مقابل ذلك العمل؟ ادع واطلب ما تريد.
لذا، ذخرت كتب الأدعية بالدّعوات الخاصّة بشهر رمضان، وإن كانت أدعيةً لكلّ الأوقات: أدعية السّحر واللّيل، وأدعية نهارية، وهي تمثّل مدرسة تربوية إيمانية سلوكية، كما هي مدرسة روحيّة يتعلم فيها الإنسان كيف يحصّن نفسه بالزّهد والورع والطاعة والخشوع لله، وكيف يقوم بعمليّة نقد ذاتي، فيقدّم إلى الله من خلال الدّعاء كشف حسابه بمعاصيه وذنوبه، ليتخلّص منها ويصوّب مسار حياته.
فرصة للدّعاء
فلنغتنم فرصة هذا الشّهر، لنتوجّه إلى الله، لندعوه من كلّ قلوبنا، بما نحن محتاجون إليه في أمور دنيانا وآخرتنا، وبكلّ ما يسمو بنا إلى حيث يحبّ الله ويرضى.
وأن لا ننسى من انحاز إليهم شهر رمضان: فقراءنا.. أيتامنا.. مرضانا..
ندعو الله أن يعيننا لنساهم في إغناء كلّ فقير، وإطعام كلّ جائع، وإكساء كلّ عريان، ومعالجة كلّ مريض، وكشف كرب كلّ مهموم ومغموم..
تقبّل الله دعاءنا ودعاءكم بحسن قبوله، والحمد لله ربّ العالمين.
الموقف السياسي
تحدّث سماحة العلامة السيّد علي فضل الله في حديث الجمعة عن نعمة الدّعاء والآفاق التي يفتحها أمام الإنسان، بعد أن يقوم بكلّ ما تتطلّبه مسؤوليّاته في معالجة شؤون الحياة وقضاياها.
للاستمرار في الوقاية
ورأى سماحته أنّ التراجع في إصابات الكورونا لا يعني انتهاء هذا الفيروس والقضاء عليه، ما يتطلّب استمرار إجراءات الوقاية، وعدم التهاون فيها، حتى لا تتسبّب هذه العودة في انتكاسة أو كارثة، مطالباً الدولة بالاستمرار في تنفيذ الإجراءات المشدَّدة التي اتخذتها، ولا سيَّما مع اللّبنانيّين العائدين من الخارج مع تزايد الإصابات بينهم.
دور الحكومة حيال الأزمة
واعتبر سماحته أن لا قدرة للمواطنين على تحمّل ثقل تفاقم الأزمة المعيشيّة بكلّ انعكاساتها، بفعل استمرار التّلاعب بسعر صرف الدّولار مقابل اللّيرة اللّبنانيّة في السوق السوداء، والارتفاع الحادّ في أسعار سلع البضائع، محذِّراً من مضاعفات اجتماعيّة خطيرة لهذه الأزمة، منها ازدياد ظواهر العنف، وما ينعكس على الوضع الأمني واستقرار البلد.
ودعا الحكومة إلى أن تكون الأزمة المعيشيّة من أولى أولويّاتها، وأن تتحرَّك بكلّ فاعليّة لضبط سعر صرف الدّولار في السّوق السّوداء، وإلى تشديد الرقابة على أسعار السّلع والموادّ الغذائيّة، لمنع الاحتكار والمتلاعبين بلقمة عيش المواطنين، منوّهاً بما اتخذ من إجراءات في هذا المحال.
الخطّة الاقتصاديّة!
وتناول سماحته الخطّة الاقتصاديّة التي أقرّتها الحكومة أخيراً، والتي تعتبر واحدة من أهمّ إنجازاتها، متسائلاً عن قدرة هذه الخطة في تحقيق النهوض الاقتصاديّ الذي يصبو إليه اللبنانيون، وذلك بالاعتماد في تمويلها على صندوق النقد الدولي، منبّهاً إلى مدى المخاطر التي تترتّب على الأخذ بشروط هذا الصّندوق وتبعاته على المستوى الاجتماعي، مما لا طاقة للّبنانيّين على تحمّل أعبائه، أو على مستوى الشروط السياسيّة التي تختفي وراء الشروط الاقتصاديّة.
وأبدى سماحته تفهّماً للمأزق الاقتصادي والمالي الذي اضطرّ الحكومة إلى الأخذ بخيار الاستدانة من صندوق النقد كسبيلٍ للإنقاذ، داعياً الحكومة لامتلاك خيارات أخرى لكيفيّة تأمين تمويلٍ لهذه الخطّة، وذلك بهدف تعزيز الموقع التفاوضي للحكومة مع صندوق النقد الدولي، وتحريرها من أن تكون رهينة شروطه وتبعات الاستدانة.
خيار الإنقاذ الذّاتيّ
واعتبر سماحته أنّ سياسات الفريق الحاكم على مدى عقود، استسهلت أسلوب الاستدانة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والمالية، ما أوصل لبنان إلى ما وصل إليه، مطالباً اللّبنانيّين بالاعتماد في شكل أساس على قدراتهم الذاتيّة للإنقاذ، لافتاً إلى أنّ هذا الخيار الذي يعتمد على الذات للنهوض، لن ينجح إلا عندما يؤخذ القرار الجريء والجدّي بمكافحة الفساد والهدر، وتحقيق إصلاحات في أجهزة الدّولة، والسعي لاقتصاد منفتح، واستقلاليَّة القضاء، واستعادة الدولة أموالها المنهوبة.. وعندما تقرّر القوى السياسية أن تبتعد عن كلّ حساباتها الطائفيّة والمذهبيّة وأنانياتها الشخصية، وتصفية الحسابات الخاصّة لحساب الوطن كلّه.
خطر الاعتداءات الصهيونيّة
ونبّه سماحته من خطورة ما يقوم به العدوّ الصّهيوني من استباحة متواصلة للسّماء اللّبنانيّة لشنّ الغارات الجويّة على سوريا، واستمرار الطلعات الجويّة الإسرائيليّة، التي باتت تقوم بمهمّات يوميّة للمراقبة، محذِّراً من أنّ ذلك يأتي في سياق سعي العدوّ لتوفير إمكانات وظروف نجاح أيّ اعتداء قادم، ما يتطلّب التنديد السياسي والدبلوماسي بكلّ هذه التوجّهات الإسرائيليّة، وأخذ الاحتياطات المناسبة لمواجهتها.
مسؤوليّة الحكومة العراقيّة
وأمل سماحته أن تساهم الحكومة العراقيّة الجديدة التي نالت ثقة المجلس النيابي العراقيّ، في التّخفيف من توتّر المناخ السياسي الداخليّ، وتعزيز الوحدة الوطنيّة العراقيّة، وتوحيد جهود جميع القوى السياسيّة لمواجهة داعش التي أعادت تحرّكها من جديد، مستغلة التجاذبات السياسية والأمنية الداخلية والخارجية، داعياً الشعب العراقي إلى التكاتف فيما بينه للوقوف في وجه هذه الهجمة التي تصيب كلّ العراق.
صلاة لرفع الوباء والظّلم
وضمّ سماحته صوته إلى الدّعوة التي أطلقتها "اللّجنة العليا للإخوّة الإنسانيّة"، والتي انطلقت برعاية البابا فرنسيس وسماحة إمام الأزهر أحمد الطيّب، ليتوجّه الجميع في كلّ أنحاء العالم، وكلّ فرد من مكانه، وحسب دينه ومعتقده، إلى الله بالصّلاة والصّوم والدّعاء من أجل أن يرفع عنّا وباء الكورونا.
وختم بالقول: إنّنا نتطلَّع إلى عالم يتوحَّد فيه الجميع بمواجهة كلّ الأوبئة، وكلّ أعمال الظّلم والاحتلال والعدوان؛ عالم يُعيد إنتاج العلاقات الإنسانيَّة وفق مناهج السَّماح التي سارت عليها الرّسالات السماويَّة، وقيم الخير التي أقرّتها القوانين الوضعيّة وكلّ دعاة السّلام في العالم.